بداية أود أن أؤكد على أن هذا التعقيب الذى بين أيديكم ليس دفاعا شاملا عن تشريع قرآنى أيدته السنة العملية المتواترة سواء الفعلية منها أو القولية أو التقريرية .. بل أيدته كذلك الضرورات والطبائع الإنسانية قديما وحديثا والتى تلح وتؤكد بلسان الحال على ضرورة الإبقاء على هذا التشريع العظيم لولا كراهية أعداء الإسلام ، وحقدهم عليه وعلى ألا تنسب لشريعته السمحاء أية فضيلة .. مما دفعهم إلى قبول بدائل أخرى يندى لها جبين الإنسانية ولهذا بيان آخر .. غير أن مايهمنى الآن أن أصحح لسيادتكم بعض الأخطاء الفقهية والأصولية التى وردت فى مقالكم والتى أردتم من خلالها تجميل القانون التونسى وألإصرار على معارضة آيات القرآن والأدلة الشرعية بعضها ببعض !!
أولا : لامعنى للقول بتعارض الآيتين الكريمتين ( وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ) وقوله تعالى ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ) لأن السنة العملية قد تواترت على النبى صلى الله عليه وسلم و كثيرا من الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان قد أجمعوا على إباحة تعدد الزوجات ومارسوه بالفعل ولم ينكر عليهم النبى صلى الله عليه وسلم ذلك .. فهل ترى ياسيدى الفاضل أن هؤلاء الذين مدحهم الله فى قرآنه الذى تستدل أنت به قد مارسوا الظلم مع نسائهم لأنهم وفقا للقول بتعارض الآيتين ( لم يستطيعوا العدل بين النساء ) .. وهل ترى ياسيدى الفاضل أن النبى صلى الله عليه وسلم قد رأى هذا الظلم على أصحابه ثم سكت عنه دون أن ينكر ذلك عليهم ولو بكلمة واحدة .. أم ترى ياسيدى الفاضل أنهم عجزوا عن فهم الآيتين القرآنيتين حتى جاء فى القرن الرابع عشر من يصحح لهم أمر دينهم !!
ثانيا : تزعم سيادتكم أن الفقهاء قد أجمعوا على أن لولى الأمر الحق فى اتخاذ تدابير أو إجراءات يقيد بها المباح .. وهذا صحيح لكن فيما هو مباح على البراءة الأصلية أى طبقا للقاعدة التى تقرر أن الأصل فى الأشياء الإباحة .. أما ما أبيح بنص قرآنى أو حديث نبوى ثابت فلا يجوز لا لولى الأمر ولا لغيره أن يقيده .. ولذلك لايجوز تقييد تعدد الزوجات على الإطلاق !!
ثالثا : تزعم سيادتكم أن قصر الزواج بواحدة عريق فى التاريخ الإسلامى ثم تروى بعض الروايات الدالة على ذلك .. وتريد بالتالى وفقا لهذه الروايات أن تلتمس مبررا فقهيا تدافع عن القانون التونسى الذى يحرم ويجرم تعدد الزوجات .. ويؤسفنى أن أقرر أن هذا الفهم قاصر .. لأن تلك الروايات تختص برخص لحالات فردية وهذا جائز جدا فى الإسلام .. ولكن لايجوز تعميمها بحال على بلد أو أمة .. لاسيما إذا تعارضت تلك الرخصة الشرعية فى تقييد مباح مع ضرورة من الضرروات الخمسة وهى حفظ ( الدين والنفس والعقل والنسل والمال ) والأمر فى تعدد الزوجات يشبه تماما الأمر فى تنظيم أو تحديد النسل .. حيث يجوز للأفراد اتخاذ التدابير المناسبة لمنع الحمل لكن لايجوز بحال من الأحوال جعل هذه الرخص الفردية .. رخصا جماعية تطالب بها الأمة أو تفرض عليها فرضا أو تخاطب بها فى خطاب عآم !!
وأخيرا وبناء على ماقدمنا وكما ترى ..فإنه لا توجد فى الحقيقة مشكلة فقهية ولايحزنون .. لا حول تعدد الزوجات ولا حول تنظيم الأسرة ولا حول غيرهما من الرخص .. فمن أراد أن يشترط فى عقد زواج ابنته عدم التعدد فله ذلك .. ومن أراد أن ينظم نسله حسب ظروفه الخآصة فله ذلك .. أما اصرار البعض على إلزام الأمة بتشريع قانونى يحرم التعدد أو غيره من المباحات فلهؤلاء مآرب أخرى ورحم الله شاعرنا القديم حيث يقول :
يقولون هذا عندى غير جائز .. ومن أنت حتى يكون عندك عندى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد شعبان الموجى
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق