رأي للشيخ محمد الغزالي رحمه الله حول حادثة سحر النبي صلى الله عليه وسلم

وهذا رأي رابع للشيخ محمد الغزالي رحمه الله حول حادثة سحر النبي صلى الله عليه وسلم .. وكلها اجتهادات واحتمالات في مسائل ظنية ما حقيقة سحر النبي صلى الله عليه وسلم وما الدليل على أنه لم يسحر؟
قال الشيخ الغزالي : ما من أحد من الصحابة إلا وقد رد خبر الواحد 

كرد علي رضي الله عنه خبر أبي سنان الأشجعي في قصة ( بروع بنت واشق ) ، وقد ظهر منه أنه كان يحلف على الحديث . 

وكرد عائشة رضي الله عنها خبر ابن عمر رضي لله عنه في تعذيب الميت ببكاء أهل بيته عليه . 

وظهر من عمر رضي الله عنه نهيه لأبي موسى وأبي هريرة رضي الله عنه عن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ المستصفى للغزالي ( 122 ) ] . 

قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : كنا في مجلس عند أبي بن كعب ، فأتى أبو موسى الأشعري مغضبا حتى وقف ، فقال : أنشدكم الله هل سمع أحد منكم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الاستئذان ثلاث ، فإن أذن لك ، وإلا فارجع " ، " قال أبي : وما ذاك ؟ قال : استأذنت على عمر بن الخطاب أمس ثلاث مرات ، فلم يؤذن لي فرجعت ، ثم جئته اليوم فدخلت عليه ، فأخبرته ، أني جئت أمس فسلمت ثلاثا ، ثم انصرفت . قال : قد سمعناك ونحن حينئذ على شغل ، فلو ما استأذنت حتى يؤذن لك قال : استأذنت كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فوالله ، لأوجعن ظهرك وبطنك ، أو لتأتين بمن يشهد لك على هذا ، فقال أبي بن كعب : فوالله ، لا يقوم معك إلا أحدثنا سنا ، قم ، يا أبا سعيد ، فقمت حتى أتيت عمر ، فقلت : قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا " * صحيح مسلم , باب الاستئذان - حديث : ‏4101‏ 

فكان عمر رضي الله عنه يضرب بدرته من يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة دون شاهدين على ما قال وقد اشتهر عنه قوله : لتخرجن مما قلت أو لأجعلنك نكالا . 

وكل تلك الأحاديث الآحادية مردودة في الفقه فكيف في العقيدة ؟ 

وحديث السحر حديث آحاد لا يفيد إلا الظن فكيف نبني عليه اعتقاد وقد روته عائشة رضي الله عنها دون غيرها من الصحابة ، ودون زوجات النبي صلى الله عليه وسلم اللواتي كان النبي صلى الله عليه وسلم يبيت كل ليلة يتنقل بينهن ، فلماذا لم تروي الحديث حفصة , وأم سلمة وزينب رضي الله عنهن ؟ 

وإن سحر النبي من المسائل العقائدية التي لا ينبغي أن يستشهد لها إلا من النصوص القطعية الثبوت أي القرآن والسنة المتواترة حصرا 

وإذا نظرنا في القرآن الكريم وجدنا استحالة إصابة النبي صلى الله عليه وسلم بالسحر لقوله تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم * إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون } ( سورة النحل 98 - 99 - 100) فالآية تقول لا سلطان للشيطان على المؤمن فكيف يكون له سلطان على النبي صلى الله عليه وسلم كما أن القول بسحر النبي صلى الله عليه وسلم يصدق قول المشركين فيه { إن تتبعون إلا رجلا مسحورا }


وفي قوله تعالى : { وقال الشيطان لما قضى الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم } " ( إبراهيم : 22 ) 

كذلك الآية تقول لا يمكن أن يكون للشيطان أي سلطان على المؤمن و ( من ) تفيد الاستغراق ، أي أنها تنفي أي سلطان للشيطان على الإنسان . 

وكذلك قوله تعالى : { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } ، فالآية تقول في عصمة كل ما يخرج من فم النبي صلى الله عليه وسلم

أخي الكريم : إن عصمة النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مما علم من الدين بالضرورة . لأن النبي مشرِّع يؤخذ عنه كلامه وسكوته وأفعاله وحتى بعض صفاته الظاهرة لذلك محال أن يلبِّس الشيطان على النبي صلى الله عليه وسلم شيئا 

 أما ما ورد في صحيح مسلم والبخاري من قصة سحر النبي صلى الله عليه وسلم فإن كل الأحاديث الواردة هي أحاديث آحاد أي : رواها آحاد الرواة فهي ظنية الثبوت ، والقاعدة : إذا تعارض القطعي مع الظني فإن الدليل هو القطعي ولا نظر إلى الظني ولاسيما فيما يخص العقائد . 

وإن السحر المذكور في هذه الأحاديث تسلط للشيطان على النبي صلى الله عليه وسلم بفعل ساحر يهودي فالتساؤل هنا كيف يتسلط يهودي على النبي والله يقول : { والله يعصمك من الناس } ؟ 

وكيف يتسلط الشيطان على النبي حتى يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله ؟ 

كيف كان الصحابة في هذا الوقت يأخذون تشريعهم عنه ؟ كيف كان يخطب الجمعة ؟كيف كان يصلي بالناس ؟ لو كان ذلك حقا لماذا لم يذكر أحد من الصحابة هذه الحادثة إلا عائشة رضي الله عنها ؟

أخي الكريم : إن من قال بسحر النبي صلى الله عليه وسلم من العلماء واجهتهم هذه المشكلة فحاولوا أن يجمعوا بين النصوص فتأولوا مجتهدين أن السحر وقع على جسده دون روحه ، وأقول إن من عَلِم السحر يعلم تماما أن السحر يقع على الروح والجسد معا بل هو على الروح أكثر منه على الجسد . 

وقد أخطأوا بهذا الاجتهاد لأن الأمر لا يحتمل اجتهادا و إننا باعتقادنا بسحر النبي صلى الله عليه وسلم نفتح الباب أمام الزنادقة والصليبين ليرفضوا النصوص بحجة أنها كانت في زمن السحر . 

لقد دفع العلماء لهذا التأويل خوفهم من الطعن في صحيح البخاري , وعجبا منهم يقدمون عصمة البخاري على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم . 

وأقول : إن صحيح البخاري أولا ليس معصوما وليس عيبا إن كان روى لنا ثمانية آلاف حديث منها عشرة أو عشرين أو ثلاثين فيها شيء من الخلل فلا يفقد البخاري مقامه برواية هذه الأحاديث .

أخي المسلم : مما يستشهد به بعض العلماء قول الله تعالى عن موسى عليه السلام: { يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى } إن السحر المقصود في هذه الآية ليس سحر الشياطين وإنما الحيل التي يقوم بها البعض بما يسمى سحر خفة اليد وهذا النوع من السحر لا مانع للعين البشرية من أن تنخدع به والأنبياء بشر يرون كما يرى البشر، فهذا مجازا يسمى سحرا وحقيقته ألعاب خفة يقوم بها بعض المختصون ، أما السحر الممنوع عن الأنبياء هو سحر الشياطين وتأثيراتهم على الأرواح . 

أخي المسلم : اعلم أن الله تعالى حافظ وراع لدينه ولن يسمح للشياطين أن تتلاعب به أو تخيل على أنبيائه . 

وأختم هذه المقالة بحديث ورد في البخاري يظهر فيه ضعف الشيطان وذلته أمام النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث يتوافق مع الآيات الكريمة ويتعارض مع حديث السحر . 

حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : أخبرنا روح ، ومحمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة - أو كلمة نحوها - ليقطع علي الصلاة ، فأمكنني الله منه ، فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم ، فذكرت قول أخي سليمان : { رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي } ، قال روح : " فرده خاسئا " *. (صحيح البخاري - كتاب الصلاة - حديث : ‏451‏ ) 

وفي الختام فإن هناك شواهد وأحاديث وقصص كثيرة جدا تبرئ النبي صلى الله عليه وسلم من أن يقع عليه شيء من السحر ولكن نكتفي بما ذكرناه فإن فيه موعظة وعبرة .والحمد لله رب العالمين .

TAG

هناك تعليق واحد


الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *