يقول أمير البيان شكيب أرسلان فى كتابه - لماذا تأخر المسلمـــون - : (( ومن أعظم أسباب تأخر المسلمين : العلم الناقص ، والذى هو أشد خطرا من الجهل البسيط ، لأن الجاهل إذا قيض الله له مرشدا عالما أطاعه ولم يتفلسف عليه ، فأما صاحب العلم الناقص فهو لا يدرى ولايقتنع بأنه لايدرى ، وكما قيل : إن ابتلاؤكم بمجنون خير من ابتلائكم بنصف مجنون وأقول : إن ابتلاؤكم بجاهل خير من ابتلائكم بشبه عالم )) ؟؟
وهذا هو التوصيف الدقيق لما نقرأ أو نسمع هذه الأيام من آراء شاذة وأفكار مريضة .. تذكرنا بحكاية الشيخ المهيب الذى دخل على مجلس الإمام أبى حنيفة النعمان .. وكان أبو حنيفة يتحدث عن كراهة الصلاة عند طلوع الشمس .. فإذا بالشيخ المهيب يسأله : طيب - ولامؤاخذة ياإمام - إذا طلعت الشمس قبل الفجر ياترى نعمل إيه ؟؟ وهنا تنفس أبو حنيفة الصعداء وقال قولته التى خلدها التاريخ .. الآن آن لأبى حنيفة أن يمد رجليه .. وقد قرأنا وسمعنا فى أيامنا تلك عن رجل يبيح الحج فى عيد الفطر ؟؟ .. وآخر يفسر ملك اليمين بالحيوانات الأليفة وبالتالى يجيز معاشرة تلك الحيوانات معاشرة الأزواج ؟؟ .. وثالثا يزعم أن تلاصق الأقدام فى المسجد ينقل العدوى ولايقول لنا ماذا نفعل بالعطاس والكحة مثلا ؟؟ .. ورابعا يرى أن عدة المرأة موضة قديمة فى ظل وسائل العلم الحديثة التى تكشف عن وجود حمل من عدمه ، وخامس يرى إباحة الزنا بشرط استعمال اللولب لأننا سنأمن عندئذ من اختلاط الأنساب فتزول علة المنع ، وامرأة تـرى أن السحاق لم يحرم فى الشرع لأن محدش حيخسر حآجة .. وهكذا سمعنا ورأينا كل صور الشذوذ الفكرى تقريبا على صفحات الصحف وفى المنتديات الفكرية .. ورأينا انشغال مصر كلها بتلك الآراء ؟؟
وأخيرا خرج علينا اللواء المتقاعد مستنكرا على الدكتور المسير قائلا له : وهل يروقك أن نفهم كتاب الله حسب مزاج المفسرين القدماء .. ولسان حاله اللواء يقول .. أنا لها .. انا لها .. خذوا عنى مناسككم وأمور دينكم وتفسيرات قرآنكم .. لكن السؤال الأهم : هل من العلم والأدب أن نزعم أن المفسرين القدامى مثل الطبرى وابن كثير والقرطبى والزمخشرى والرازى يفسرون القرآن الكريم بأهوائهم وأمزجتهم الخآصة ؟؟ المسألة إذن ليست مجرد دعوى للتجديد والإجتهاد لملاحقة متطلبات العصر ومراعاة أو مجاراة الحوادث النازلة .. المسألة التى لاخفاء فيها أن الأمر لايخرج عن كونه محاولة إجرامية لهدم هذا الدين دون بناء بديل .. لأننا إذا هدمنا البناء السلفى الموروث عن النبى صلى الله عليه وسلم وأكابر الصحابة والتابعين .. فما هو البديل الذى سيقدمه هذا اللواء أو غيره ؟
لقد فسر المفسرون القدامى القرآن الكريم وفقا لأصول محددة وقواعد معلنة ومعروفة .. نستطيع أن نحاكمهم بها بل ونستطيع أن نستدرك عليهم مافاتهم أو ماأخطأوا فى إخضاعه لتلك القواعد القطعية .. فماهى أصولكم ياسيادة اللواء حتى يتسنى لنا مناقشتكم فيها والإستدراك عليكم وإلزامكم بها ؟؟ .. لاأعتقد أن عندكم أصل ترجعون إليه فى التفسير .. اللهم إلا الفوضى والهوى والرغبة فى الشهرة الكاذبة .. وأتحداك ياسيادة اللواء لو أثبت لنا أن عندك أصل شرعى أو منهاج علمى يصلح لتفسير آيات الكتاب .. وبالمثل إذا كان علماء السلف قد وضعوا علوما كاملة فى الأصول التى يتحاكمون إليها فى قبول أو رفض الأحاديث والمرويات عن النبى صلى الله عليه وسلم .. فأين هى أصولكم التى تقبلون أو تردون على أساسها الأحاديث والمرويات ؟؟ .. صحيح هناك بعض منكرى السنة الذين حاولوا الإلتزام بقاعدة ما أو أكثر فى قبول الأحاديث ورفضها .. لكن أتحدى لو صمد أحدهم أمام تلك الأصول أو القواعد التى ألزموا بها أنفسهم ؟؟ فمن ياسيادة اللواء إذن الذى يفسر القرآن ويقبل الحديث بالمزاج والهوى ؟؟
إن آفة منكرى السنة وأدعياء التجديد أنهم يخضعون آيات الوحى والأحاديث المطهرة للمناهج النقدية الحداثية .. سواء أعلموا ذلك أم جهلوه .. لكن هل يعقل أن يتساوى الوحى مع النص الأدبى من حيث إخضاعه للمدارس النقدية ؟؟ إذا كانت بعض المدارس الأدبية مثلا تعتقد ( بموت المؤلف ) ، وتفسير النص بعيدا عن اتجاهاته وتأثراته الأيدلوجية .. فإن الله عزوجل حى لايموت ولايفوت .. لكن هناك بالفعل من يفسر القرآن الكريم وفقا لتلك النظرية فيما يعرف ( بأنسنة النص ) كما كان يزعم ذلك د. نصر أبو زيد .. وأما منكرو السنة وأدعياء التجديد فيسيرون على خطى المدرسة الحداثية التى تؤمن بموت النص وليس موت المؤلف فقط .. أى بعدم وجود نص أصلا أو بعدم وجود تفسير ملزم للنص فيما يعرف ( بالتفكيك ) .. فكل انسان يفسر النص حسبما يتراءى له دون أن يلتزم بأية ضوابط .. فمنكرو السنة وأدعياء التجديد يرفضون أية ضوابط شرعية لتفسير آيات الكتاب كما يرفضون الإعتراف بوجود قاعدة تفسيرية لابد أن تحترم .. بحجة أن ثمة فرق بين النص الشرعى والفكر البشرى وهى كلمة حق لكن لايمكن قبولها على إطلاقها .. فإن هناك تفسيرات ملزمة وردت عن صاحب الشرع وأجمعت عليها الأمة كابرا عن كابر .. وكذلك الحال بالنسبة لمن يفرقون بين الشريعة والفقه .. وهذا أيضا لايمكن أن نقبله على إطلاقه .. لأن هناك من الأراء الفقهية مايعد من الشريعة !!
حتى الأصل الوحيد الذى ربما اتفقنا معهم على وجوب توافره وهو معرفة اللسان العربى الذى نزل به الوحى .. لايريدون أن يعترفوا بأنهم ليسوا أهلا له .. بل ربما انخدعوا بمقولة طه حسين أن اللغة العربية يسر لاعسر وأننا نملكها كما كان القدماء يملكونها .. واللواء المتقاعد يزعم أنه حجة فى اللغة .. وهى دعوى لانشك فى كذبها .. لكننا مع ذلك نعطيه الفرصة كاملة فى أن يثبت لنا صدقها .. فهذا سؤال بسيط لو أجاب عليه لسلمنا له بصدق دعواه بأنه حجة فى اللغة ، وبأنه من خواص الخواص الذين يحق لهم التصدى للتفسير .. سورة العاديات التى هى من قصار المفصل .. كم فيها من حقيقة شرعية وحقيقة لغوية وحقيقة عرفية ؟ وكم فيها من مجاز مرسل ومجاز مركب واستعارة حقيقية واستعارة وفاقية واستعارة تبعية واستعارة مطلقة واستعارة مجردة واستعارة مرشحة ؟ وأين الوضع والترشيح والتجريد والإستعارة بالكناية والإستعارة التخييلية ؟ وكم فيها من التشبيه الملفوف والمفروق والمفرد والمركب ؟ ومافيها من المجمل والمفصل ؟ ومافيها من الإيجاز والإطناب والمساواة والإسناد الحقيقى والإسناد المجازى المسمى بالمجاز الحكمى والعقلى ؟ وأى موضع فيها وضع المضمر موضع المظهر وبالعكس ؟ وماموضع ضمير الشأن وموضع الإلتفاف وموضع الفصل والوصل وكمال الإتصال وكمال الإنقطاع ؟ والجامع بين كل جملتين متعاطفتين ؟ ومحل تناسب الجمل ووجه التناسب ووجه كماله فى الحسن والبلاغة ومافيها من ايجاز وقصر وايجاز حذف ؟ ومافيها من احتراس وتتميم .. بين لنا ياسيادة اللواء موضع كل ماذكر وابقى قابلنى فى السيما ؟؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق