جمال مبارك

جمال مبارك

كان المسئول الكبير صادقا فى كلماته التى قالها منذ عدة سنوات .. إن مصر تمر بعام أسود وأن العام القادم سيكون أسود منه .. بل كان مكشوف عنه الحجاب .. فقد دخلت مصر بعد ذلك بالفعل نفقا مظلما .. بل أنفاقا مظلمة لايعلم إلا الله وحده كيف ستخرج مصر منها ، ولا كيف سيكون حالها فى المستقبل القريب .. وفقد الشعب معها كل أمل فى الإصلاح السياسي أو الإقتصادي بعد أن دخلت فى سلسلة من الإنتكاسات التي يقف على رأسها السيد جمال مبارك نجل الرئيس بل أن تحول الحكم على يديه إلى رئاسة ملكية أو ملكية رئاسية لافرق .. وأصبحنا تحكمنا فى الحقيقة .. اسرة حاكمة وليس رئيسا حاكما فقط .. وهذه حقيقة لم تعد محل جدال بين أحد من المعنيين بمجريات الأمور السياسية فى مصر والعالم أجمع . 

وبداية أقول إنه لاغبار على الإطلاق فى أن يمارس السيد جمال مبارك دورا سياسيا كأى مواطن مصري له ملكات ومواهب وامكانيات ذاتية أو امكانيات مستمدة من كونه فردا فى منظمة أو جماعة أو حزب سياسي .. أما الخطأ الكبير بل الخطأ السياسي القاتل هو أن يتسلل السيد جمال مبارك فى دياجير الظلام ليصبح فجأة وبقدرة قادر .. رجل أعمال يمتلك الملايين من الجنيهات .. ثم يصبح بقدرة قادر مسئولا عن مايسمى بلجنة السياسات فى الحزب الوطني .. ثم يصبح بقدرة قادر المتحكم فى كل مجريات الأمور فى الحزب وفى الدولة ممارسا دور نائب الرئيس أو دور الرئيس نفسه فهذا أمر غير مقبول بالمرة ، ويجب أن يواجه بصراحة وبوضوح من أصحاب الأقلام الشريفة الحرة . 

إن أخطر ما يمكن أن يواجه مجتمع هو سقوط القيم التي تحكمه .. ولذلك ينبغي أن ننظر إلى الأحداث التى تقع من حولنا بمنظار قيمي .. بصرف النظر عن تفاصيل الأحداث ذاتها .. فقد تكون الأحداث التاريخية مؤسفة أو سيئة ولكنها تكرس لقيم عظيمة .. وقد يكون لعكس أى قد يكون ظاهر الأحداث حسنة .. ولكنها تكرس لقيم رديئة وسيئة .. ودخول السيد جمال مبارك إلى معترك الحياة السياسية والإقتصادية قد أسقط العديد من القيم التى كانت تحكم مصر منذ قرون عديدة .. حتى مع وجود الكثير من الأحداث السيئة .. لكن كان النظام الحاكم دائما يتوارى خلف شعارات مقبوله حتى وأن كان كاذبا فى دعواه .. لكن مجرد استتاره خلفها وتشبثه بها فى خطابه المعلن أمام الجماهير كان يعنى على الأقل محافظة على وجود القيم التى تسود المجتمع ولو نظريا أى مستوى الإعتقادات . 

لكن تسلل جمال مبارك بهذا الشكل اللامنطقي إلى المسرح الإقتصادي ثم السياسي .. مع اصرار عجيب وتشبث مريب من النظام الحاكم فى أن يصل الأبن إلى وراثة الحكم باللف والدوران وبأساليب ملتويه دون أن يتعاملوا مع القضية بشفافية .. اعتمادا على طيبة هذا الشعب وقبوله بالأمر الواقع .. ثم تجاهل الدفاع عن الإتهامات الموجهه إليه وإلى زمرته .. أو محاولة توضيح الأمور للشعب وتبديد تلك الشكوك ولو بالكذب ..أدى إلى سقوط العديد القيم الإقتصادية والسياسية التي كانت سائدة على الأقل نظريا .. كما أدى إلى العديد من الكوارث الإقتصادية والسياسية بل والإجتماعية أيضا والتى يعاني منها كثير ممن يعملون فى تلك المجالات .. بل ويعاني منها أفراد الشعب نفسه . 

لقد قسم جمال مبارك النخبة الحاكمة إلى قسمين بعد أن كانت متآلفة إلى حد كبير .. فأصبح لدينا رجال مبارك يحبون مبارك ويوالونه ويكرهون جمال مبارك ويعادونه ولو خفيه .. كما أصبح عندنا أيضا رجال جمال مبارك الذين يعملون مخلصين له فى مواجهة الفريق الآخر .. وهو من أخطر الأمور التى يمكن أن تؤدى بمصر إلى كارثة كبرى .. ودخلت مصر فى صراع نخبوي ليس من أجل الدفاع على قيمة من القيم .. وإنما من أجل الصراع على الحكم وترسيخ أقدام جمال مبارك بأى ثمن .. فكان هذا ايذانا بسقوط القيم . 

وأيضا .. لم يكن تسلل جمال مبارك إلى دهاليز الحكم وحده بطبيعة الحال .. بل أتى ومعه نخبة من رجال أعمال لايتمتعون على أقل تقدير بشفافية فى كيفية حصولهم على تلك الأموال الطائلة .. وإن كان الكثير منهم قد صنعته الإدارة الأمريكية صنعا عن طريق تقديم معونات مباشرة ضمانا لتكوين طبقة رجال الأعمال التي أعدت لها الإدارة الأمريكية الأمور حتى انتهت إلى السيطرة على مجريات الأمور فى مصر من خلال قيم رأسمالية نفعية آخر ماتفكر فيه هو مصلحة البلد ولعل فى هروب مالك العبارة الكارثة لأكبر دليل على ذلك .. ولأول مرة فى تاريخ مصر نجد وزراء ملياديرات يديرون أعمالهم وهم فى مناصبهم دون فصل حقيقي بين أعمالهم الخآصه وأعمالهم المنوطه بهم كوزراء .. اللهم إلا بتصريحات هزيلة بأن الدولة ستضمن الفصل وعدم استغلال الوزراء لمناصبهم فى التربح وفى اتخاذ قرارات اقتصادية من شأنها أن تزيد من ثرواتهم .. وكان هذا مؤشرا خطيرا على سقوط القيم . 

كذلك كان لتسلل جمال مبارك إلى دهاليز الحكم .. أثاره السيئة على صورة الرئيس ذاته .. فقد أصبح يشاع أن الرئيس اصبح يملك ولايحكم وأن الحاكم الفعلي للبلاد هو السيد جمال مبارك .. ولاشك أن هذه الضبابية فى الحكم لها أثارها السيئة على مستقبل البلاد .. بل وأدى ذلك إلى اصرار الرئيس مبارك على عدم تعيين نائبا له تمهيدا لتوريث الحكم .. مع أن ذلك يعرض البلاد إلى كارثة حقيقية .. لاسيما مع اقتراب الرئيس إلى مرحلة الثمانينيات من العمر .. فأسقط ذلك قيمه اخرى من قيم الحياة السياسية .. حيث أصبحت المصلحة العليا للأسرة الحاكمة فوق المصلحة العليا للبلاد . 

واستطيع بعد ذلك أن اعدد الكثير والكثير من القيم التى سقطت نتيجة لتسلل جمال مبارك إلى دهاليز عالم المال والحكم .. وانعكاس ذلك على كل شىء فى مصر .. سواء على مستوى السياسات الخارجية التى كرست لمزيد من الإنبطاح المهين والمبرر والغير مبرر للأمريكان الصهاينة .. أو على مستوى السياسة الداخلية التى انتهت إلى محاسبة رؤساء محاكم وضربهم بالأحذية ..لالشىء إلا لأنهم رفضوا أن يكونوا أداة من ادوات تزوير الإرادة الشعبية وخيانة الأمانة المنوطه بهم فى الإنتخابات وفى استقلال القضاء .. وتمهيدا لتزوير انتخابات الرئاسة القادمة .. وأيضا تدمير الأحزاب وتكريس انهيارها ، وتدمير كل المؤسسات التى من الممكن أن تخرج لنا أجيالا من القادة .. وتكريس سياسة القمع على كآفة المستويات .. حتى يخلو الجو للسيد جمال مبارك الذى لايتمتع من وجهة نظر الكثيرين بأى قدر من الكاريزما والذى لو نجح فى الوصول رسميا إلى كرسي الحكم فسوف يواجه معارضة شرسة سواء على مستوى النخب الحاكمة ذاتها .. أو على مستوى رجال القضاء .. أو على مستوى القوى الوطنية الفاعلة .. وربما تكون النهاية غير سعيدة بالمرة . 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، 

بقلم : محمد شعبان الموجي 


TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق


الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *