ليكن معلوما بصراحة ووضوح شديدين .. أن ادانتنا ورفضنا القاطع والصريح لحوادث العنف والإرهاب ..ليس من أجل سواد عيون النخبة العلمانية والطغمة الفاسدة التى فقدت ايمانها بربها ..... و لا من أجل تأمين حياتها أو حماية نظمها الفاسدة .. وليس كذلك من اجل (( أن نضرب ونلاقى ) أو ( نرقص على السلم )) كما تزعم حثالة الشيوعيين والعلمانيين و الإباحيين ؟؟
موقفنا الرافض للعنف والإرهاب بكل صوره و أشكاله .. موقف مبدئى وشرعى فى المقام الأول .. نابع من صميم عقيدتنا وشريعتنا الغراء ... فنحن لسنا ، ولا يمكن أن نكون مع تلك الحثالة الشيوعية والعلمانية يوما من الأيام .. إن التقينا فعلى سبيل الصدفة البحتة .. وإن اتفقنا فعلى ...غير غير اتفاق .. هذه الحثالة التىسخرت اقلامها وعقولها للطعن فى الدين ، وتجريح علماء المسلمين .. واستغلت حوادث الإرهاب أسوأ استغلال لتهييج السلطة على الإسلاميين ؟؟
هذه المقدمة لابد منها قبل ان نحاول الولوج الى البعد الأيدلوجى المحرك لأعمال العنف و الإرهاب .. وقبل ذلك أيضا لابد أن نفرق فى تعاملنا مع تلك الجماعات بين فريقين :
فريق يعتنق بالفعل مبادىء و أفكار ولديه بواعث تدين حقيقية .. تجعله دائما فقى حالة (( تأنيب ضمير )) و (( شعور بالذنب )) من جراء غياب الأحكام والتصورات والقيم الإسلامية .. ولديه أيضا رغبة فى إقامة الحكومة الإسلامية و إحياء الخلافة ... رمز القوة فى عالم لايعترف إلا بالقوة ؟؟
وفريق ثان من أرباب السوابق والبلطجية والحراميــة وقطاع الطريق .. وهؤلاء تتعامل معهم أجهزة البحث الجنائى ، وصفحات الحوادث ، و لا شأن للتيار الإسلامــى بهم من قريب أو بعيــد .. حتى و إن أطلقوا لحاهم ولبسوا قمصــانا قصيرة ؟؟
الفريق الأول هو إذن المعنى بالحوار .. وهذا الفريق يلوذ عادة بآيات الجهاد التى وردت كثيرا فى القرآن الكريم لإثبات شرعية أعمال العنف والقتل واستحلال الأموال داخل المجتمع .. لإقالة (( الحكومة الكافرة )) ، و إقامة (( الحكومة المؤمنــة )) حسب زعمهــم ؟؟
وهذا خطــأ قاتل .. لأن آيات الجهاد دائمــأ تتجه إلى العدو الخارجــى .. ولاتتعلق شرعا إلا بصراع بين جماعة مسلمة فى دار الإسلام .. و اخرى كافرة فى دار الكفر .. حيث الحدود والفواصل واضحة المعالم بلا أدنى شــك أولبس ..يحكمها فقه الحرب وأخلاق المقاتل المسلم ؟؟
وليس فى التاريخ الإسلامــى ..واقعة جهاد ((داخلى )) واحدة ؟؟ الصراع إذا نشب فى البلد الواحد .. لايسميه العلماء جهادا .. إنما يسمونـــــه(( فتنة )) .. والذى يروع الآمنيين ويقتل الأبرياء ..لا يسميه العلماء والفقهاء (( مقاتل أو مجاهد )) .. إنما يطلقون عليـه (( هجام أو صائــل )) ، و حكمه كما هو معروف القتل بلا خلاف ؟؟
إذا استعرت نيران الفتنة فى المجتمع .. ولم يكن إلـى حسمها من سبيل ..فالإعتزال واجب أو كما قال علماء السلف : (( كن فى الفتنة كابن لبون ..لاظهرا فيركب ولا لبن فيشرب )) .. ولذلك حينما سئل الإمام مالك رضى الله عنـه عن قتال الخارجين على الخليفة ، فقال قائل : أيجوز قتالهم ؟؟ فقال : إن خرجوا على مثل عمر بن عبد العزيز .. فقال : فإن لم يكن مثله ، فقال : دعهم ينتقم الله من ظالم بظالم ثم ينتقم من كليهمــا ؟؟
غير أن الأمر إن كان مستقرا لحكومة ما وإن كانت ظالمة .. فإن الإسلام يحرص أشد الحرص على الحفاظ على حالة الإستقرار و الأمن تلك ، و لذلك اتفق علماء الإسلام سلفا وخلفا على أن (( الإمام الجائر خير من الفتنــة ، وكلاهمــا لاخير فيـه ))..لماذا ؟؟
يقول الإمام محمد أبو زهرة نقلا عن الإمام مالك بن أنس : (( وإن خرجت خارجة على الحكام .. فما هــى أعدل منهم ؟؟؟ و لا أحفظ للحقوق من أقلهم عدلا وأكثرهــم ظلما ؟؟؟ فوق ما فى الخروج من فوضى فى الأمور ؟؟ واضطراب للنظام ؟؟ وفسد أحوال الناس ؟؟ وهتك الحرمات ؟؟؟ وتعريض الأعراض والأنفس والأموال لشذاب الناس وشطارهم ؟؟ وفوضى ساعة يرتكب فيها من المظالم ما لايرتكب فى ظلم منظم سنين ؟؟ )) .
ثــم يضيف : (( ومن يعش فى وسط ذلك الجو اليائس من أن يقوم حكم الشورى على وجهه الصحيح ، كما كان فى حكم أبى بكر و عمر وعثمان رضى الله عنهم أجمعين ، فلا بد أن يرضى بالحال القائمـة لا على أنها الحكم الأمثـل الذى ينبغـى أن يكون ، والذى دعا إليــه الإسلام ، و لكن على أنهــا الأمر الواقــع الذى لاسبيل إلى دفعــه إلا بالتعرض لضررأشد ، و فساد أعم ، و النتيجة غير مستيقنة بل غير مأمونــة ، وقد دلت التجارب الواقعــة على أن الإنتقال يكون لمن هو أشد ظلما ، و أكبر ضرا ؟؟
ولذلك قبل مالك أن يسكن و إن لم يكن السكون اقرارا شرعيا منه للحال الواقعة ، بل كان ذلك اعترافا بوجودها وعدم القدرة على التغيير ، مادامت النفوس على حالهــا ؟؟
وهكذا يصل بنا الإمام مالك بن أنس إلى ما أراد أن يقوله علماء المسلمين من قبل وسلفهم الصالح .. إحياء علوم الدين أولا .. مثل الخشية والإخلاص والخشوع والتقوى والإنابة والمراقبة ومحاسبة النفس والتضرع والتعلق بالآخــرة والزهد فى الدنيــا والرضــا والأنس باللـه وبناء النفوس وإحياء القلوب وإقامة علاقة مباشرة مع الله .. وهو أيضا مالخصــته عبارة الشيخ الهضيبى رحمه اللـه .. أقيموا دولة الإسلام فى قلوبكم تقــم على أرضكم .. لاحظ دقة التعبير فى قولــه (( أقيموا )) .. (( تقــم )) ، وهى التى استمدها من قوله تعالى : (( إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) .. لاحظ أيضــا دقة التعبير القرآنــى .. (( لايغير ما بقوم )) .. (( حتى يغيروا ما بأنفسهم )) .. فالتغيير الإجتماعى الجماعى من الله .. وتغيير النفس من البشر .. وإصلاح المجتمع نتيجة طبيعية و منطقية لإصلاح النفس ؟؟ إنها منحة الله لعباده الصالحين وهذا هو الطريق
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق