نعم لاعدوى إلا بإذن الله ؟؟



روى الإمام مالك ( 93 - 179 هـ ) فى الموطأ أنه بلغه عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن ابن عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لاعدوى ولاهآم ولاصفر ولايحلل الممرض على المصح وليحلل المصح حيث شاء .. فقالوا يارسول الله وما ذلك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إنه أذى )) .. وهذا الحديث روته معظم كتب السنة المطهرة بألفاظ متقاربة .. ولذلك فالقول بأن الإمام البخارى رضى الله عنه هو الذى انتحل هذا الحديث ونسبه كذبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لامحل له من الإعراب (..) 

وأما الأهم من ذلك كله .. أننا لو عرضنا هذا الحديث النبوى الشريف على كتاب الله الكريم فسوف نجد أنه يتوافق تماما مع عمومات الكتاب وظواهره القطعية وعقيدة أهل السنة والجماعة فى القضاء والقدر .. وهى القاعدة التى يزعم منكرو السنة المطهرة أنهم يتمسكون بها فى الحكم على صحة الحديث من عدمه .. وقد كان من الممكن الإنحياز إليهم فى ذلك أو قبول قولهم هذا لو كان عندهم أصل وقاعدة مقبولة فى تفسير القرآن نفسه .. لاسيما وأن إماما جليلا مثل الإمام أبى حنيفة النعمان كان يرى ذلك بل وأكثر من ذلك .. لكن الإمام أبى حنيفة رضى الله عنه كانت له قواعد منضبطة فى تفسير القرآن .. لاتخرج ولاتشذ ولاتنحرف عن فهم السلف الصالح وعقيدته وفقهه .. ولذلك يكون عرض الأحاديث النبوية على عمومات الكتاب وظواهره أمرا طبيعيا ومقبولا من أمثال أبى حنيفة رضى الله عنه .. لكن مصيبة منكرى السنة أنهم ليس عندهم أصل كما قلنا سابقا يرجعون إليه فى تفسير القرآن الكريم بل يفسرون القرآن بالهوى والغرض .. وهم مختلفون فيما بينهم أشد ما يكون الإختلاف .. بل إن لكل واحد منهم مذهب خآص به فى فهم القرآن الكريم .. وهذا لايمنع بالطبع اتفاقهم على بعض التفسيرات المنحرفة التى مايقصدون من ورائها سوى الطعن فى الأحاديث بأى شكل من الأشكال كهدف ثابت وغآية لايحيدون عنها .. بل وهم يعترفون صراحة أنه لايوجد تفسير ملزم لآيات القرآن الكريم .. بل يبيحون لكل انسان أن يجتهد فى فهم القرآن وأن يقوم بتفسيره بنفسه دون الرجوع إلى أمثال الطبرى وابن كثير والقرطبى .. ولايستطيع أى واحد منهم أن يزعم أن تفسيره للقرآن الكريم ملزم لجميع المسلمين وإلا لناقض نفسه وهدم غزله .. وإذا كان ذلك كذلك .. أى القول بأنه لايوجد فى زعمهم تفسير ملزم للقرآن الكريم .. فإن عرض الأحاديث على الكتاب .. سيختلف بطبيعة الحال من شخص لآخر حسب تفسيره الخآص للقرآن .. والذى سيخضع فى النهاية بطبيعة الحال للأهواء والأغراض والجهالات .. وهو ما حدث ويحدث بالفعل .. فقد قرأنا قريبا من يجيز الحج فى عيد الفطر .. ومن ينكر الشفاعة .. ومن ينكر الجهاد من أجل نشر الدعوة .. ومن ينكر الأحاديث جملة وتفصيلا .. ومن يجيز الزنا بشرط استعمال اللولب .. ومن يسقط عدة المطلقة إذا تأكدت من عدم وجود حمل .. بل هناك من منكرى السنة من أنكر الأخذ بالأسباب وعاب على الإمام البخارى وأنكر عليه ونال منه لأنه خصص بابا فى صحيحه فى إباحة التداوى والتطبب .. فاعتبروا ذلك شرك بالله عزوجل ، واستندوا فى دعواهم تلك إلى العديد من الآيات القرآنية فسروها بالهوى والجهل والغرض ثم عرضوا عليها الأحاديث فرفضوها ، وهم جماعة الفرماوى المعروفة ، وعلى مدار التاريخ الإسلامى رأينا أكثر الفرق الضآلة قد انطلقت بأفكارها المتطرفة ،واجتهاداتها الفاسدة من الإتجاهات التفسيرية المنحرفة لآيات القرآن الكريم .. واستقصاء ذلك يحتاج إلى مجلدات !! 

نعود مرة أخرى إلى مناقشة حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم { لاعدوى ولاطيرة ولاهآمة ولاصفر وفر من المجذوم كما تفر من الأسد } .. وهذا الحديث كان للعلماء فيه مذاهب شتى فى فهمه .. غير أننا نختار منها مانراه موافقا لعمومات القرآن الكريم وظواهره ولعقيدة أهل السنة والجماعة .. فالمراد من الحديث بنفى العدوى أن شيئا لايعدى بطبعه .. نفيا لما كانت الجاهلية تعتقده أن الأمراض تعدى بطبعها من غير إضافة إلى الله (..) ، فأبطل النبى صلى الله عليه وسلم اعتقادهم هذا ، وأكل مع المجذوم رغم أنه صلى الله عليه وسلم قد أمر بالفرار منه (..) .. ليبين لهم أن الله هو الذى يمرض ويشفى وهو الذى يضر وينفع ، ونهاهم منه ليبين أن هذا من الأسباب التى أجر الله العادة بأنها تفضى إلى مسبباتها .. ففى نهيه اثبات الأسباب ، وفى فعله إشارة إلى أنها لاتستقل بنفسها (..) بـل لو شاء الله سلبها قواها فلا تؤثر شيئا .. وإن شاء أبقاها فأثرت .. وهذا المعنى يتفق تماما مع عشرات الآيات القرآنية القطعية .. يقول الله عزوجل فى سورة الأنفال { فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم ومارميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلى المؤمنين منه بلاء حسنا } الأنفال 17 مع أن المؤمنين قد أمروا بالقتال فقاتلوا .. فقتلوا الكفار بسيوفهم ورموهم برماحهم ، وقوله تعالى فى سورة الشعراء الآية 80 { وإذا مرضت فهو يشفين } .. مع أن النبى صلى الله عليه وسلم قد أمر بالتداوى وبإحضار الطبيب .. روى الإمام الجليل أحمد بن حنبل بسنده عن ذكوان عن رجل من الأنصار قال : { عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا به جرح ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادعوا له طبيب بنى فلان ..قال فدعوه فجاء ، فقال : يارسول الله ويغنى الدواء شيئا ؟ فقال : سبحان الله وهل أنزل الله من داء فى الأرض إلا جعل له شفاء } وفى حديث آخر : { علمه من علمه وجهله من جهله } .. وقوله تعالى فى سورة التغابن { ما أصاب من مصيبة إلا بأذن الله } وقوله تعالى فى سورة الشورى 30 : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } .. وقوله تعالى : { لمن شاء منكم أن يستقيم } وقوله تعالى : { وماتشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين } .. وقوله تعالى { وماالنصر إلا من عند الله } .. وقوله تعالى { قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم } ، وهكذا يسير القرآن الكريم على هذا النهج العظيم الذى يبين أن الله عزوجل خالق القوانين الطبيعية والسنن الكونية ، هو جل ذكره المتحكم فيها ومنه سبحانه وتعالى تستمد تلك القوانين قوتها وصلاحيتها .. فإن شاء تركها تعمل عملها .. وإن شاء عطلها وأبطلها كما أبطل إحراق النار لإبراهيم عليه السلام .. وعلى هذا النهج القرآنى جاء حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ليوضح أنه لاعدوى إلا بإذن الله .. ولذلك لما ذكر الحديث أمام أعرابى قال : فما بال الإبل يخالطها الأجرب فتجرب ؟؟ فقال له : فمن أعدى الأول ؟؟ وإنما أراد أن يرد الأمر لمشيئة الله عزوجل ، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم { لانوء } يعنى إلا بإذن الله فقد كان الجاهليون يقولون (( مطرنا بنوء كذا أو ما يعرف الآن بالـنوة )) فأبطل النبىصلى الله عليه وسلم ذلك كله مخبرا بأن المطر إنما يقع بإذن الله لابفعل الكواكب ، وإن كانت العادة والسنن الكونية جرت بوقوع المطر فى ذلك الوقت لكن بإرادة الله تعالى وتقديره لاصنع للكواكب فى ذلك ولاإرادة للرياح وعلى هذا يفهم باقى الحديث الشريف (..) 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، 

بقلم : محمد شعبان الموجى
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق


الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *