حديث الذبابة تطبيق عملى لقاعدة قرآنية !!



ماذا الذى تعافه النفس البشرية فى طعامها أو شرابها ومالذى لاتعافه ؟؟ .. الإجابة بكل تأكيد ستختلف من شخص لآخر .. حسب الظروف والأحوال المعيشية المحيطة به .. فالإنسان الأوربى أوالأمريكى مثلا يستحيل أن يأكل شيئا فى مطاعم الفول والطعمية العادية والتى تمتلىء بها مدن مصر وقراها والتى يأكل فيها العآمة وأحيانا الخآصة .. لأنها تكاد لاتخلو من الذباب والصراصير والفئران فى بعض الأحوال .. هذا بالإضافة طبعا إلى الخرقة الشهيرة القذرة التى يستخدمها باعة الفول والطعمية لأهداف ومآرب كثيرة ومتنوعة .. ناهيك عن شوربة الطعمية التى يبلل بها عامل الطعمية يده حتى لاتلتصق العجينة بيده ..والزيت الذى يتم تغييره كل عشرة ألاف قرص .. ناهيك عن تداعى النظافة الشخصية للبائع أو العامل .. ومع ذلك لايأنف الغلابة والنص نص وعلى رأسهم عثمان من الأكل والشرب فى تلك المطاعم بنفس راضية .. بل ولايأنف ملايين المصريين من أكل العجوة وماأدراك ماالعجوة .. وكيف تصنع العجوة بأرجل النساء والصبيان .. ناهيك عن أكوام الذباب الذى يقف عليها والفئران التى تتتعايش معها فى المفارش الخآصة بها فى الآراضى الزراعية .. والأمثلة بعد ذلك خارجة عن نطاق الحصر .. ثم إن الذى يعيش فى وفرة ورغد من العيش ستختلف إجابته قطعا عن الذى يعيش فى فقر وضيق .. ومن يعيش فى المدينة .. غير الذى يعيش فى الصحراء أو الأماكن التى تعانى من ندرة فى المياه والغذاء .. ثم إن الإجابة على السؤال الذى طرحناه ستختلف كذلك .. إذا ما وقعت الذبابة فى كوب ماء أو عصير ليمون أو شوربة عدس مثلا .. عنها إذا ما وقعت الذبابة فى شوربة دجاج أو بط .. وهكذا لايمكن أن نتوقع إجابة واحدة عن السؤال الذى طرحناه آنفا 

وهناك المضطر الذى يأكل الميتة والدم ولحم الخنزير والثعابين والفئران بل ويشرب بوله فى بعض الأحيان كما يحدث فى حالات الحرب والمجاعات .. وهناك أيضا ملايين الملايين من الفقراء فى بلدان أفريقيا وآسيا وغيرها من البلدان الصحراوية الفقيرة .. وأصحاب الهياكل العظمية الذين هم على أتم استعداد لأن يأكلوا الطعام ويشربوا الشراب حتى ولو سقط فيه أبو قردان بجلالة قدره .. وليسوا بالتالى على أدنى استعداد لألقاء الطعام والشراب فى البالوعات والأحواض والمراحيض وسلات المهملات لمجرد أن ذبابة أو بعوضة وقعت فيه ؟؟ 

ولذلك راع الإسلام كل تلك الظروف المعيشية ، و قامت الشريعة الإسلامية على قاعدة جليلة هى رفع الحرج عن المؤمنين .. يقول الله عزوجل { وماجعل عليكم فى الدين من حرج } .. ولذلك جاء حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم { إذا وقع الذباب فى إناء أحدكم .. } كصورة تطبيقية للقاعدة القرآنية العظيمة .. وليرفع الحرج عن الصحابة وعن المسلمين الذين عاشوا فى بيئات تنتشر بها تلك الحشرات وتعم بها البلوى ولايستطيعون الإحتراز منها .. ولو أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بإلقاء كل طعام أو شراب وقع فيه شىء من هذه الحشرات لشق عليهم ذلك .. لاسيما إذا عرفنا أن كثيرا منهم ربما كان لايأكل اللحوم والدواجن وما شابهها إلا نادرا .. حتى اشتكى بعضهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يارسول الله أحرق بطوننا التمر .. فيقول لهم النبي صلى الله عليه وسلم فى إحدى خطبه { والذى لاإله إلا هو لو أجد لكم الخبز واللحم لأطعمتكموه } 

ولذلك فقد بنى الفقهاء فقههم على تلك الدعامة القرآنية الهآمة .. وامتلأت كتبهم بالفتاوى والأحكام التى ترفع الحرج عن المسلمين .. ولذلك قرروا مثلا أنه إذا مات فى الماء اليسير مالانفس له سائلة أى مالادم له سائل .. مثل : الذباب والزنبور والنحل والنمل والخنفساء والبق والبعوض والصراصير والعقارب وبنات وردان والقمل والبراغيث وأشباهها فإنها لاتنجسه ، وكذلك فى الطعام والشراب لاينجس .. فمن ابتلى بمثل تلك الأمور فى طعامه وشرابه فصبر عليها .. فلا شىء عليه من جهة الشرع .. ومن عافت نفسه تلك الأمور فلاشىء عليه البتة .. بل إن هذا هو الأصل الذى تميل إليه الفطرة .. لكن كما قلنا قد يصعب الإحتراز عنها والوقاية منها فى البيئات الصحراوية أو الريفية والأحياء الفقيرة .. ونحن نرى من سكان الأرياف والبدو بعض التصرفات فى التعامل مع الحشرات والفئران والحيوانات .. بل والتعايش معها فى بعض الأحيان ونرى من أساليب تناول الطعام والشراب ماتعافه نفس الحضرى أو سكان المدن .. فالقضية إذن نسبية كما يقولون .. لكن الشريعة راعت رفع الحرج عن هؤلاء وأولئك . 

وهناك تطبيقات أخرى كثيرة من السنة النبوية المطهرة لتلك القاعدة القرآنية العظيمة { وما جعل عليكم فى الدين من حرج } .. منها مثلا أن سؤر الهرة والحمار والخيل والبغال ولعابها وعرقها مما تعم به البلوى ، وإذا أكلت شيئا نجسا ثم غابت ثم شربت من ماء يسير فهو طاهر .. ويرجع ذلك كما يقول العلماء إلى أصل رفع الحرج بسبب مشقة الإحتراز ، وعموم البلوى حيث أن هذه الحيوانات يستخدمها الإنسان فى تلك البيئات ، ويلتصق بها ولايسلم أن يصيبه ويصيب ثيابه شىء من عرقها أو لعابها .. والفأرة إذا وقعت فى السمن الجامد .. فإنه أيضا من باب رفع الحرج يكتفى بإخراج الفأرة والسمن المحيط بها لأن إلقاء جرة سمن استغرق صنعها زمنا ووقتا وجهدا كبيرا يسبب حرجا شديدا ويشق عليهم ذلك .. وكذلك الماء إذا بلغ قلتين إذا وقعت فيه نجاسه لم تؤثر على طعمه أو لونه أو رائحته فهو طاهر ويجوز التوضؤ منه .. لرفع الحرج عن الناس وهذا الأمر ربما لانستشعر به فى المدن والقرى التى تتوافر فيها المياه الآن .. لكن الأمر يختلف كثيرا كما قلنا بالنسبة لسكان الصحراء .. وهكذا سنجد تطبيقات كثيرة لرفع الحرج عن المكلفين .. وحديث الذبابة لم يخرج عن هذا الأمر كما قلنا ولذلك قلما يخلو منه كتاب من كتب الفقه وفتاوى الصحابة والتابعين .. وأول من استخلص منه مبدأ أن ( مالانفس له سائله ) لاينجس به الطعام أو الشراب أو الماء هو التابعى الجليل ابراهيم النخعى الذى كان يدخل على السيدة عائشة رضى الله عنها ، وهو صبى مما يقطع بصحة الحديث وبأنه قد روى قبل مولد البخارى رضى الله عنه بأكثر من قرن على الأقل ؟؟ 

وهذا يجرنا إلى الحديث الآخر الذى سخر منه بعض السفلة وهو الحديث الذى أباح فيه النبى صلى الله عليه وسلم أكل الصيد حتى ولو مر عليه يومين .. طبعا ما لم ينتن كما ورد صراحة فى رواية أبى داود .. وهو كما نرى من التطبيقات الهآمة لقاعدة رفع الحرج عن قوم كانوا يتقاتلون أحيانا على بعض حبات التمر .. ففى مجمع الزوائد يروى عن سعد أنه قال : { كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مسير ، ومعنا شىء من تمر فقال صفوان أطعمنى هذا التمر فقال : إنه تمر قليل ولست آمن أن تدعوا له ، فإذا نزلوا أكلت معهم ، فقال : أطعمنى فقد أهلكنى الجوع ، وذلك ما بلغ منه ، فأبيت ذلك عليه ، فعرفت الراحلة التى عليها التمر ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قولوا لصفوان فليذهب فلم يبت تلك الليلة يطوف على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى عليا رضى الله عنه فقال : أين أذهب إلى الكفر ؟؟ فأتى على النبى صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك .. فقال : قولوا لصفوان فليلحق } .. ومن أجل هذا حرص الإسلام حرصا شديدا على صيانة الطعام والشراب والماء والصيد لأصحابه مادامت نفوسهم تصبر على ذلك طبعا بشرط عدم الضرر، ومن الجهل طبعا اطلاق اسم الميتة عليه حتى ولو نتن ؟؟ .. لأن الميتة إنما تطلق شرعا على الحيوان الذى لم يذبح أو يزكى بطريقة شرعية .. وهنا قد يتساءل البعض وكيف لنا أن نتصور بقاء صيد صالح للإستهلاك الآدمى بعد مرور يومين فى جو شديدة الحرارة كما هو الحال فى الصحراء ؟؟ والجواب عن ذلك أولا أن الذى يسبب فساد الصيد ليست الحرارة الشديدة ولكن الرطوبة هى التى تفسد الصيد .. ولو كانت الحرارة هى التى تفسد الصيد لفسدت الطيور التى يتم شواؤها على حرارة النار مثلا ؟؟ ثم وهذا هو الأهم .. اسألوا أجدادكم وجداتكم .. كيف كانوا يحتفظون بالطعام المطبوخ ليومين أوثلاثة أيام دون أن يحدث له أى تغيير قبل أن يعرفوا الطريق إلى الثلاجات ؟؟ بينما نحن الـــيوم لانكـــاد نترك الطعام خارج الثلاجة لعدة ساعات حتى يفسد ؟؟ 

وخلاصة القول أن الأحاديث النبوية المعترض عليها .. لم تأمرنا بوضع الذباب أوالبعوض فى الطعام أو الشراب أو دعوة الأصدقاء إلى تناول العصائر بالذباب أو أكل الميتة كما يزعم بعض السفلة المأجورين .. ولم تأمرنا كذلك بشرب سؤر الهرة والحمار ولا أمرتنا بأكل الصيد بعد مرور يوم أو يومين عليه .. ولاغير ذلك مما تعافه كثير من النفوس .. وإنما أجازت ذلــك كله رفعا للحرج عن المسلمين ولعموم البلوى به وصعوبة الإحتراز عن تلك الأمور !! 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، 

بقلم : محمد شعبان الموجى
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق


الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *