المقال الذى نشره السيد / جمال البنا فى جريدتكم الموقرة بتاريخ الخميس 3يونيو1999 هو أنموذج ممتاز للإستدلال السيىء الذى نهانا الله تعالى عن انتهاجه فى تفسير القرآن يقول الله تعالى : { فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ماتشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ...} الآية ( 7 ) آل عمران ، وقوله تعالى { كما أنزلنا على المقتسمين - الذين جعلوا القرآن عضين } الحجر .. أى قسموا القرآن إلى أجزاء يؤمنون ببعضها ، ويكفرون بالبعض الآخر (..) وبيان ذلك نوضحه بعون الله فيما يأتى :
أولا : لاعلاقة للآيات التى تنهى عن الإكراه فى الدين بحد الردة ؟؟
استدل جمال البنا ببعض الآيات التى تنهى عن الإكراه فى الدين ، وبآيات أخرى تتحدث عن مهمة الرسول فى التبشير والإنذار وبالإخبار عن حقيقة أن الرسول ليس له سلطان على القلوب ، وبآيات أخرى تتحدث عن عقوبة الكافر فى الآخرة .. وكل تلك الآيات الكريمات لاعلاقة لامن قريب ولا من بعيد بحد الردة المقرر فى الكتاب والسنة المطهرة على النحو الذى سنوضحه بعد قليل .. والإستدلال بتلك الآيات على نفى حد الردة هو من قبيل المغالطة التى يصر عليها معظم الكتاب اليساريين والعلمانيين والمتجددين .. إذ أن أنها تتحدث بلا خلاف عن الجانب القلبى الإعتقادى من الردة .. وأعمال القلوب ليست من موضوعات الفقه الإسلامى باتفاق .. وكذلك كل مايتعلق بها من الأحكام الإعتقادية كالوحدانية ورسالة الرسل وتبليغهم رسائل ربهم ، والعلم باليوم الآخر ومايكون فيه .. كل هذا لايدخل فى مضمون كلمة الفقه بالمعنى الإصطلاحى .. وليس من عمل الفقيه البحث فى قضايا الإيمان .. فهو حين يتحدث عن الصلاة مثلا .. لايتطرق إلى الحديث عن الخشوع أو الإخلاص .. مع أنهما من أهم مقاصد الصلاة .. وبدونهما لاتقبل الصلاة عند الله .. لكن الفقيه حين يتحدث عن الردة فإنما يتحدث عن الجانب العملى منها .. أى عن صريح الأقوال والأفعال التى تصدر من المرتد بأى من وسائل التعبير المتعددة .. وقد وضح ذلك جليا فى تعريف الفقهاء للردة فى كتب الفقه .. فالردة - والعياذ بالله - هى كفر مسلم تقرر إسلامه بالشهادتين مختارا .. بعد الوقوف على الدعائم وإلتزامه أحكام الإسلام .. ويكون ذلك بصريح القول (..) أو بفعل يستلزمه لزوما بينا (..) وصريح القول والفعل الظاهر .. لايتعلق كما نرى بالسرائر ولا بأحكام القلوب ، فالحكم بالردة لا يحتاج إذن إلى محاكم تفتيش أو ادعاء كهنوت كما يغالط منكرو حد الردة (.. ) فى إصرار عجيب ، ولم يدع أحد من العلماء المسلمين قاطبة علمه بما القلوب أو السرائر .. ونتحدى من يثبت خلاف ذلك ، والقاعدة فى ذلك ما روى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه حيث يقول :{{ إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحى فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الوحى قد انقطع ، وإنما آخذكم الآن بما ظهر من أعمالكم ، فمن أظهر لنا خيرا أمناه ، وقربناه وليس إلينا من سريرته شىء ، والله يحاسبه فى سريرته ، ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه ، وإن قال إن سريرته حسنة (..) !!
ثانيا : الايات الدالة على وجوب قتل المرتد ؟؟
وإذا كان حد الردة كما قدمنا لايتعلق بالإنخلاع عن الطاعة القلبية التى يؤديها العبد لرب العالمين .. يتضح لنا جليا أن حد الردة يتعلق أشد ما يكون التعلق بالخروج والإنخلاع عن نوع آخر من الطاعة .. وهو (( الطاعة السياسية )) للمجتمع الإسلامى .. والتى موضوعها العلاقة بين الفرد والمجتمع .. ومحلها الأقوال والأفعال والمواقف المعلنة الصريحة ، والتى تعبر عن مدى احترام الفرد وخضوعه للقوانين والأعراف والقيم السائدة فى المجتمع ، والتى تؤكد كذلك على مدى إلتزامه بالعقد الإجتماعى بينه وبين تلك الجماعة التى ارتضى أن يعيش فى كنفها .. له ما لها وعليه ماعليها (..) ، ووجوب تلك الطاعة السياسية على كل أفراد المجتمع .. ورد بشأنها العديد من الآيات والأحاديث التى تخير الفرد فيها داخل المجتمع الإسلامى مابين الإلتزام بأحكام القرآن وبشريعته وحدوده .. ولو خشية السيف السنان (( كالمنافقين )) .. أو بدفع الجزية (( كأهل الكتاب )) .. او بقبول العطايا (( كالمؤلفة قلوبهم )) .. أو القتل لهؤلاء جمعيا فى حال تمردهم على قوانين المجتمع والسلطة السياسية الحاكمة والآيات القرآنية هى :
1.. قوله تعالى : { قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ماحرم الله ورسوله ولايدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } الآية 33 التوبة
وهذه الآية من أواخر مانزل من الآيات الخآصة بالجهاد وفيها التخيير واضح (( عند لقاء العدو )) ..بين الجزية والإذعان والصغار .. وبين القتل !!ومن هنا يتضح لنا جليا خطأ من قال أن هذه الآية ناسخة لقوله تعالى { لاإكراه فى الدين } .. إذ أن الآية الأولى تتحدث عن لزوم الطاعةالسياسية .. أما الآية الثانية فتتحدث عن الطاعة الدينية !!
2.. يقول الله تعالى : { قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون } الآية 6 الفتح
وهذه الآية استدل بها كثير من الفقهاء فى تقريرهم لحد الردة .. حيث قيل فى أحد وجوه أسباب نزولها .. أنها نزلت فى بعض أتباع مدعى النبوة الذين ارتدوا عن الإسلام !!
ومن المهم أن نلاحظ هنا أن قوله تعالى { أو يسلمون } وليس { أو يؤمنون } .. وذلك لأن الإيمان مناطه القلب ، ولايطلع على القلوب إلا الله عزوجل .. فلا معنى من ثم لإشتراط الإيمان .. فهذه هى الطاعة الدينية التى تحدثنا عنها .. ولكنه تبارك وتعالى قال { أو يسلمون } .. أى تقاتلونهم أو يلتزموا بالأحكام العملية للإسلام وبالقانون الإسلامى ويحترموا شريعته وشعائره .. ولذلك قبل النبى صلى الله عليه وسلم إسلام المنافقين والأعراب والمؤلفة قلوبهم : { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان فى قلوبكم } الآية 14 الحجرات
3.. يقول الله تعالى : { وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا فى دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لاأيمان لهم لعللهم ينتهون } الآية 12 التوبة
فقد دلت الآيات على عدة أمور :
(1) أن كل طاعن فى الدين .. هو إمام من أئمة الكفر .. وكل مرتد مجاهر بردته وكفره .. لابد أن يكون بسبب إعلانه الخروج أو الردة عن الدين بالقول أو الفعل .. طاعن فى الدين أو فى جزء منه .. يجب قتاله ..لأنه مرتد حربى بلا خلاف !!
(2) أن محاربة الله ورسوله باللسان قد تكون أشد من محاربتهما باليد .. لذلك خص القرآن الكريم بذكر (( الطعن فى الدين )) ..باعتباره من أكبر وأشد الأسباب لنقض العهد والأيمان !!
4 .. يقول الله تعالى : { ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس } الآية 112 آل عمران
والآية تقتضى أن الذلة تلزمهم فلاتزول إلا بحبل من الله وحبل من الناس .. وحبل المسلمين ألا يظهروا المحآداة باتفاق العلماء .. ومن يمنع من إظهار المحآداة مستحق للذلة بكل مقتضاياتها .. من دفع الجزية وهو صاغر .. أو القتل .. والمجاهر بردته وبطعنه فى الدين ..يحادد الله ورسوله !!
5 .. يقول الله تعالى : { إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم } الآية 5 المجادلة
والمكبوت لايقدر على إظهار كفره أو ردته أو جحوده أو طعنه فى الـــدين !!
6 .. يقول الله تعالى : { ياأيها النبى جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم } الآية 73 التوبة
وهذا الجهاد على أقل تقدير يستلزم منعهم من إظهار الكفر أو الطعن فى الدين !!
ثالثا : جمال البنا تجاهل المرحلية فى التعامل مع المرتدين ؟؟
استدل السيد جمال البنا بالعديد من أحداث السيرة على مرتدين لم يعاقبهم النبى صلى الله صلى الله عليه وسلم رغم ردتهم .. وقد أخطأ خطأ جسيما حينما أغفل المراحل الثلاثة التى مر بها المجتمع الإسلامى فى تعامله مع من يظهر الكفر والــــعداء والإيذاء للإسلام والمسلمين وهى كما وضحها العلماء على النحو التالى :
أولا : قبل ( بدر ) .. كان صلى الله عليه وسلم مأمورا بالصبر على أذى الكفار والمنافقين والعفو عنهم امتثالا لقوله تعالى : { ولاتطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم } الآية 48 الأحزاب ، وقوله تعالى : { فأعف واصفح ) الآية 13 المائدة ، وقوله تعالى : ( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لايرجون أيام الله } الآية 14 الجاثية
ثانيا : بعد ( بدر ) وقبل ( براءة ) .. كان صلى الله عليه وسلم يقاتل من يؤذيه من الكفار والمنافقين ، ويمسك عمن سالمه .. كما فعل مع اليهودى كعب بن الأشرف - الذى تطاول على الإسلام وآذى المسلمين -امتثالا لقوله تعالى : { فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا } الآية 90 النساء .. فبدر كانت أساس عز الدين .. فكانوا قبل بدر يسمعون الأذى الظاهر ، ويؤمرون بالصبر عليه (..) ، وبعد بدر يؤذون فى السر من جهة المنافقين ، وغيرهم فيؤمرون بالصبر عليهم (..)
ثالثا : فى تبوك .. أمر النبى صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه .. بالإغلاظ للكفار والمنافقين .. فلم يتمكن بعدها كافر ولا مناففق من أذاهم فى مجلس عآم ولا خآص .. بل مات بغيظه لعلمه بأنه يقتل إذا تكلم ، وقد كان بعد بدر لليهود استطالة وأذى للمسلمين إلى أن قتل كعب بن الأشرف ..(..)
يستدل على ذلك بقوله تعالى { جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم } الآية 73 التوبة
ومن هنا ندرك الخطأ فى الإستدلال بآيات معينة أو أحداث من السيرة .. دون تعيين الظروف التى يجب فيها الإنصياع لأحكام تلك الآيات من الشدة واللين مع الكفار والمنافقين وإيقاع العقوبة من عدمها
ولننظر فى أى مرحلة نعيش الآن لنتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بقلم : محمد شعبان الموجى
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق