لو كانت منظمة الأمم المتحدة - كما يقول د.بطرس غالى - هى مجرد منتدى وحيد للدول الصغيرة والنامية ( للتنفيس ) -كما يقول - عن تطلعاتهم ومطالبهم واحباطاتهم .. لهان الخطب .. فما أكثر المنتديات والمقاهى التى ينفس فيها الضعفاء والعرب على وجه الخصوص عن احباطاتهم وخيبتهم الثقيلة .. ولكن الأمر بالنسبة للعرب يختلف كثيرا .. حيث لم يقتصر دور المنظمة الدولية بالنسبة لهم على دور المنتدى أو المقهى أو حتى الكباريه .. بل تجاوز ذلك إلى دور القوادة والقواد .. الذى يجمع بين الرؤوس فى الحرام .. ونستطيع أن نفهم تلك الحقيقة جيدا فى ضوء الدور التخريبى والأضرار التاريخية الجسيمة التى لحقت بالأمة العربية من جراء اشتراكها فى تلك المنظمة والخضوع بالضرورة لقراراتها .. فى الوقت الذى اقتصر فيه دورها على توثيق حالات الإغتصاب والإعتداءات المجرمة على الشعوب العربية (..)
ولاشك أن كلام بطرس غالى .. يتسق تماما مع الدبلوماسية البيروقراطية أو دبلوماسية أصحاب الياقات البيضاء .. التى ينتهجها الحكام والساسة العرب الذين يفتقدون فى مواقفهم وسياساتهم إلى روح المقاومة والإقدام والمواجهة ولايفرقون بين وظيفة الحاكم والزعيم الذى يقود أمة ، وبين التاجر أو مقاول الأنـفار (.. ) ، لقد كان من المأمول أن يطالب بطرس غالى مثلا بالإنسحاب الجماعى من المنظمة ومحاولة انشاء منظمة دولية بديلة يحكمها العدل والديمقراطية .. على غرار ماحاول أن يفعله عبد الناصر فى مؤتمر باندونج لتأسيس كتلة عدم الإنحياز .. وهو مايحسب بلا شك لعبد الناصر .. وربما كان هذا النمط من التفكير هو أهم ما كان يتميز به عبد الناصر .. أى التفكير بعقلية الزعيم المتجرد وليس بعقلية التاجر أو السمسار أو رجل الأعمال على أحسن الفروض .. فالحاكم الزعيم هو فقط الذى يحاول الخروج من شرنقة التبعية للمستعمر والنهوض نحو الإستقلال الحقيقى للأمة .. أما الحاكم التاجر فلا تشكل تلك التبعية - بكل أشكالها - عنده أى مشكله .. بل ربما كانت أكثر نفعا وجلبا للربح ، ولذلك فبعض حكام العرب يسارعون دائما وفى أعقاب كل حملة أمريكية على العرب إلى التأكيد على أن علاقاتنا مع أمريكا جيدة (..) بل وإلى شجب الجانب العربى والتحريض الصريح والمستتر ، فلاشك أن أمتنا فى أمس الحآجة إلى نموذج الحاكم الزعيم الذى يملك التفكير بشكل مستقل لآتقليدى .. فمشاكل أمتنا لن تحلها السياسة التقليدية التى تعتمد على مايسمح به الغرب والصهيونية العالمية .. وليس معنى ذلك أننا ندعو إلى الدخول فى مغامرات عسكرية تجر علينا الدمار والخراب والحصار العالمى .. لكن نحن فى حآجة إلى الإقدام على طرح بدائل سياسية جريئة ومدروسة .. وفى حآجة إلى جهاد سياسى ودبلوماسى كبير .. ولكن هذا الجهاد يحتاج إلى زعيم حقيقى لديه القدرة على حشد الجماهير حوله فى الداخل .. وحشد القوى المستضعفة فى الخارج .. لكن مشكلة العرب أنهم يفتقدون إلى مثل تلك الزعامة الواعية .. وغياب الزعامة عن العرب له أسبابه الكثيرة لكن أهمها على الإطلاق .. هو اهدار الجانب العقائدى واستبعاد الإسلام من المعركة مع الصهاينة منذ اللحظة الأولى للصراع .. حيث حرمت على كل الجيوش العربية كل صور الحشد المعنوى الإيمانى .. وحشدت الجماهير تحت رايات شتى عدا رايةالإسلام .. بل واستبعدت العقيدة من جميع مناحى الحياة واعتبر الحديث عنها نوعا من التخلف والرجعية وإثارة الفتنة .. فى الوقت الذى لم يخفى فيه أعداؤنا حقيقة الصراع الدينى .. حتى يصرح ابن جوريون أنه بدون التفوق الروحى لم يكن شعبنا ليستطيع البقاء ألفى سنة فى الشتات .. وأن لامعنى لأسرائيل بدون القدس ولامعنى للقدس بدون الهيكل .. والحديث فى هذه القضية طويل ومرير .. ولكن أقول بأعلى صوتى إن استبعاد الإسلام والعقيدة من المعركة خيانة عظمى بكل معنى الكلمة (..)
فى الستينات كان حشد الجماهير يتم تحت رايات العروبة والقومية العربية .. وكلاهما منبثق بشكل أو بآخر من الإسلام .. ولذلك نجح عبد الناصر بما كانت لديه من مواهب شخصية إلى حشد الجماهير حول مشروع مثل السد العالى مثلا .. بل كانت لديه القدرة كما قلت فى مقالات سابقة على حشد الجماهير لحفر ترعة .. بينما فشل نظام الرئيس مبارك فشلا ذريعا فى حشد جماهيرى مماثل حول مشروع عملاق مثل توشكى مثلا .. لماذا ؟؟ لأن الأمة صارت عارية تماما من أية عقيدة مباشرة - الإسلام - أو عقيدة وسيطة عند البعض أو بديلة عند آخرين - كالعروبة والقومية العربية - تحرك همة الجماهير وتدفعها دفعا إلى الشعور بقدسية الإنتماء وبأهمية التلاحم مع المصالح العليا للبلاد ولو على حساب المصلحة الشخصية ؟؟
وأما السبب الثانى والذى لايقل أهمية عن سابقه فهو غياب الديمقراطية والحريات الحقيقية عن واقع مجتماعاتنا .. وبالتالى فقدت كثير من الأنظمةالحاكمة مصداقيتها وشرعيتها أمام شعوبها وأما العالم .. وأصبحت لاتستمد شرعية وجودها من الشعب .. بل من القوى الإستعمارية التى تولت فرضها على الشعوب ثم قامت بحمايتها من السقوط مع التواجد العسكرى المستمر فى قلب الأمة .. حتى تحول أكثر هؤلاء الزعماء إلى صور باهتة لم يشفع لها هذا الحشد الإعلامى والجماهيرى المصطنع .. وتحولت بعض تلك الأنظمة للأسف الشديد إلى كيانات عفنة أكثر ضررا وأشد تحريضا على امتنا من الكيان الصهيونى نفسه .. ولذلك فإن أى محاولة لخلق رد فعل عربى قادر على الوقوف فى وجه الأطماع الصهيونية .. يجب أن يمر أولا من بوابة الديمقراطية الحقيقية التى تضمن قيام حكومة قوية تستند فى شرعية بقائها فى الحكم إلى الإرادة الشعبية وليس إلى الإدارة الأمريكية .. ولاشك أن لغياب تلك الزعامات الحقيقية القادرة على تحريك همة هذه الأمة ونفخ الروح فيها من جديد أسباب أخرى ستناولها فيما بعد إن أذن الرحمن ؟؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
بقلم : محمد شعبان الموجى
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق