ملاحظات هامة حول ماكتبه يوسف القعيد عن سيد قطب والثورة ؟؟




يعتبر الأستاذ يوسف القعيد أن مبادرة المفكر الكبير سيد قطب رحمه الله إلى تأييد ثورة يوليو ثم تغير رأيه فيها بعد ذلك .. هو موقف يدين سيد قطب لأنه هو الذى تغير أما الثورة فهى حسب رأى القعيد لم تتغير .. وهذه مغالطة كبيرة من أديـبنا الفاضل .. وذلـــك للأسباب الآتية : 

1. أن تأييد سيد قطب لقيام الثورة أو الإنقلاب على النظام الملكى الفاسد كان أمرا منطقيا له أسبابه وحيثياته التى دفعت كل القوى الوطنية تقريبا إلى التأييد والمباركة .. وانقلاب سيد قطب وكثير من القوى الوطنية على الثورة بعد ذلك كان أيضا له مبرراته وحيثياته مهما اتفقنا أو اختلفنا معها أو حولها .. ففى كلا الموقفين .. التأييد والرفض كان سيد قطب متسقا فيها تماما مع مبادئه التى من أجلها أيد الثورة لحظة قيامها .. ومن أجلها أيضا عارض وغير رأيه .. عندما رأى - من وجهة نظره - أن الثورة قد انحرفت عن مسارها ومبادئها .. فهو فى كلتا الحالتين تمسك بمبادئه وأفكاره .. ولم يكن هذا هو موقف سيد قطب وحده .. بل شاركه الكثير من المفكرين والمثقفين والشعراء الذين كانوا ومازالوا أشد تعصبا لمبادىء الثورة ولقائدها .. فتقييم اللحظة الآنية لقيام الثورة واتخاذ موقف التأييد حيالها شىء .. وتقيـــيم التجربة الثورية بـعد مدة زمنية معينة واتخاذ موقف حيالها شىء آخر (..) 

2 . ثم إن الحكم بأن سيد قطب رحمه الله هو الذى تغير .. بينما الثورة لم تتغير وازدادت عمقا .. مسألة نسبية ، ولايمكن اعتبارها حقيقة مطلقة (..) وفقا لما يعتقده كاتب وأديب مثل يوسف القعيد من نسبية الحق .. إلا إذا كان يشعر فى نفسه أنه يحتكرالحقيقة وحده ، والدليل على ما أقول هو حجم التناقضات الكبير فى تقييم التجربة الثورية .. والذى ظهر فى كتابات المؤرخين ، وفى المذكرات التى كتبها أعضاء مجلس قيادة الثورة أنفسهم (..) والتى أنتم أدرى بشعابها (..) 

3. وإذا كنتم تدينون سيد قطب لأن موقفه من الثورة تغير .. بينما الثورة ذاتها لم تتغير بل ازددات أصالة وعمقا .. فما رأيكم فى أن الزعيم عبد الناصر نفسه قد غير موقفه من التجربة الثورية ( وليس من المبادىء الثورية بالضرورة ) .. لكن موقفه الجديد تأخر كثيرا عن موقف سيد قطب رحمه الله .. فعبد الناصر ووفقا لما ورد فى كتاب الأستاذ عبد الله امام ( عامر وبرلنتى صفحة 25 ) اكتشف فجأة أننا كنا نعيش فى دولة مخابرات (..) والله وحده يعلم منذ متى بدأت دولة المخابرات ؟؟ وهل كان ذلك قبل أن يغير سيد قطب رأيه المؤيد لها أم بعد ذلك .. يقول الكتاب المذكور : (( وتيقن جمال عبد الناصر أن ما وصله صحيح تؤيده المستندات والشهود من رجال المخابرات أنفسهم وأعلن سقوط دولة المخابرات )) (..) .. بل واكتشف عبد الناصر أيضا اخفاق التجربة الثورية فى بناء جيش قوى ؟؟ يقول الكتاب المذكور (( وكان عبد الناصر قد قرر إعادة بناء القوات المسلحة من جديد على أسس علمية وبعيدا عن مركز القوة الذى مثله المشير عامر ورجاله ، وقادته الذين ظلوا فى مواقعهم على أساس الولاء وليس الكفاءة فلم يطوروا معلوماتهم العسكرية ولم يكن اهتمامهم بعملهم يقع لديهم فى المقام الآول )) ؟؟ .. فهل سيد قطب هو الذى تغير من موقف التأييد للثورة أم أن كثيرا من رجال الثورة هم الذين انحرفوا عن مسارها وعن أهدافها المعلنة حسبما قرر ذلك الرئيس عبد الناصر بنفسه والتى على أساسها أيدها المؤيديون (..) 

3 . وإذا أردنا دليلا آخر على أن تقييم التجربة الثورية مسألة نسبية .. فأرجوك أن تذكر لنا احصائية عن عدد أعضاء الثورة الذين انفضوا من حولها ، وعدد الذين اعتقلوا وعدد الذين تم نفيهم والذين تم ابعادهم عن ممارسة المسئولية الثورية .. وأحسب أنك ستحتاج إلى شجاعة نادرة لكى تذكر لنا عدد الذين بقوا حول عبد الناصر ولم يمسهم السوء وعدد الذين كانوا يؤمنون بالإشتراكية حقا وصدقا ويقينا إلى الدرجة التى دفعت عبد الناصر رحمه الله لأن يقول كلمته الخالدة ( نحن نبنى الإشتراكية بغير اشتراكيين ) ؟؟؟؟ ثم عدد الذين ادين منهم بعد هزيمة يونيو ثم عدد الذين ظلوا يمارسون دورهم الثورى وظلوا يدينون لمبادىء الثورة و لم يلتحقوا منهم أخيرا بطبقة المترفين الرأسماليين ؟؟ 


ثانيا 

وإذا كنت ياسيد يوسف تقول أن اعدام مفسر القرآن الكريم ، وهو فى شيخوخته هو مجرد رد فعل من الثورة .. وكأنك بهذا تريد أن تبرر تلك الجريمة الشنعاء التى لايقرها دين ولا مروءة .. إذن قل لى بربك .. هل كل رد فعل يتسم دائما بالصواب والحق ؟؟ هل كان رد فعل الكفار على الأنبياء حق وصواب ؟؟ .. ولو افترضنا جدلا أن ثورة يوليو كانت قد أخفقت وتم القبض على الثوار واعدامهم فهل يعنى ذلك أن النظام الملكى كان على حق فيما أقدم عليه من رد على هذا الفعل الثورى ؟؟ .. وإذا كانت مصر تعيش دولة المخابرات كما اكتشف ذلك عبد الناصر رحمه الله بنفسه .. ألا يدعونا ذلك على الأقل إلى الشك فى صحة الوقائع والإتهامات التى نسبت إلى الشيخ سيد قطب وآخرين تحت دعوى قلب نظام الحكم .. تلك التهمة التى كانت تلوكها الألسن فى تلك الفترة ؟؟ 


ثالثا 

ثم أنك ياسيد يوسف تدين الفكر الإنقلابى لدى سيد قطب وتقول بأن عبد الناصر قد كتب على صفحة من كتاب معالم فى الطريق لسيد قطب أن وراءه تنظيم ؟؟ سبحان الله أحرام على بلابله النوح حلال على الطير من كل جنس ؟؟ وهل كانت ثورة يوليو إلا تنظيما سريا أحدث انقلابا وتمردا على أوضاع فاسدة ونظام فاسد ؟؟ فماذا لو رأى غيركم أيضا أن تجربتكم قد انحرفت عن مسارها الصحيح وأصبحت بدورها نظاما فاسدا - من وجهة نظرهم الخآصة - ثم شكلوا تنظيما وأحدثوا انقلابا فما العيب فى ذلك (..) شنشنة نعرفها من أخزم .. وطبعا لايمكن أن يقال أن المرجعية الشعبية هى الضابط لما يصح أو ما لايصح من الإنقلابات .. لأن موقف الشعب المصرى من الفساد الملكى كان سلبيا إلى أبعد مدى ولترجع فى ذلك إلى ماقاله عبد الناصر فى فلسفة الثورة (..) 


رابعا 

ثم تقول سيادتكم أن سيد قطب هو الأب الروحى لكل اتجاهات التطرف التى ظهرت فى مصر فى أواخر السبعينات .. ثم تؤكد ذلك باصرار عجيب .. لاتقولوا المودودى ولا ابن تيميه ولكن سيد قطب ؟؟ .. والواضح يا سيد يوسف أن بضاعتكم فى هذه القضية متواضعة .. فالمودودى هو استاذ سيد قطب الذى نقل عنه الكثير فى كتبه .. وفكرة الحاكمية التى تحدث عنها سيد قطب فى معالم على الطريق مأخوذة أساسا من كتب المودودى التى يبدو أنكم لم تقرأوا منها شيئا على الإطلاق .. وأن حكمكم هذا كان سماعيا من بعض الأحباب .. ويبدو كذلك أنكم لم تقرأوا شيئا عن المناظرات الواسعة التى دارت بين علماء الهند والباكستان .. بين المودودى من جانب وبين الندوى ووحيد الدين خآن من جانب آخر حيث انتقدا فيها فكرة الحاكمية عند المودودى رحمه الله ؟؟ 


خامسا 

أما بالنسبة للحديث عن كتاب ( معالم فى الطريق ) .. فإننا يجب أن نشير أولا إلى أنه حتى يومنا هذا لم تظهر له دراسة نقدية واحدة محترمة تفند ما ينسب إليه من تطرف ومن أخطاء شرعية .. رغم كثرة الإنتقادات المرسلة التى تشبه إلى حد كبير تقارير المباحث .. أو تلك الإنتقادات التى يـتبرأ فيها بعض القيادات الإخوانية من الكتاب لالشىء إلا من أجل الظهور بمظهر المعتدل الذى يرفض الإرهاب ويرفض وصف المجتمع بالجاهلية (.. ) ، فإذا كنت سيادتكم قد حكمتم على الكتاب بالتطرف فهلا وضحتم لنا ولو فكرة واحدة نستطيع من خلالها مناقشتكم ؟؟ .. ثم إننا لكى نفهم هذا الكتاب على وجهه الصحيح لابد أن نعلم أنه كتب بأسلوب خطابى وشفافية إيمانية نادرة وبإسلوب أدبى رفيع المستوى .. يهدف أساسا إلى ابراز الجوانب القرآنية العقائدية التى تعرضت للإهمال والإندثار أمام طوفان العقائد والمذاهب السياسية السائدة والوافدة وقتئذ .. حتى تستعيد تلك الجوانب المهملة مكانتها لتقديم تصور متوازن للدين .. ولذلك عاش الكتاب وعاشت كل كتب سيد قطب ، ولكن من الخطأ التعامل مع الكتاب على أنه بحث فقهى فى الإمامة والإستخلاف .. وهذا الأسلوب الخطابى ورد كثيرا فى الكتاب والسنة المطهرة .. ولايتحمل سيد قطب أوزار وأخطاء الذين أساءوا فهم الكتاب .. إلا إذا حملنا القرآن والسنة المطهرة والعياذ بالله أوزار الذين فهموا خطأ بعض آيات الكتاب والأحاديث النبوية فى تكفير المسلمين وقتلهم وســـبى ذراريــهم واستباحة أموالهم ؟؟ 


سادسا 

وأما اتهام السيد يوسف القعيد لسيد قطب بأنه هو الذى وضع أساس الموقف من الغناء والمصايف إلى آخر ما سمع عنه السيد يوسف من المتطرفين .. فهو كلام غريب بل يثير الدهشة والسخرية فى آن واحد .. لأنه يفتقر بكل أسف إلى أبسط المعلومات العآمة فضلا عن افتقاره إلى الأمانة العلمية .. فقضية تحريم الغناء والموسيقى مثلا من القضايا الفقهية القديمة التى أثيرت منذ زمن النبوة والصحابة وهناك آلاف الفتاوى التى صدرت فى هذا الشأن وليس لسيد قطب أى دور يذكر على الإطلاق فى تحريم أو إباحة الغناء وليرجع السيد القعيد إلى كتاب احياء علوم الدين فى القرن السادس الهجرى مثلا ليتأكد من تلك الحقيقة .. أما تحريم العرى والمجون والإختلاط الفاحش فى المصايف فهى قضية أقدم من سيد قطب بعشرات السنين .. وهى محل استنكار من الأسوياء .. فلا يرضى عن تلك الفواحش التى تقع على الشواطىء إلا رجل فجر أو رجل تخنث كما يقول الرافعى رحمه اللله والذى كتب أروع قصيدة فى تحريم هذا الفحش الفاجر ، والسخرية منه .. وخصص له فصلا فى كتابه المبدع ( وحى القلم ) تحت عنوان ( قصيدة إلى الشيطان ) .. والحقيقة أننى ابدى عجبى بمقدار ما أبدى أسفى من أن يصدر مثل هذا الكلام المرسل الساذج الذى يبعد كل البعد - و كما قلت سابقا عن الإلمام بأبسط المعلومات العآمة - من أديب فى حجم يوسف القعيد واخيرا أرجو أن يتذكر أديبنا الكبير قول الـــــله عزوجل : { ولاتقف ماليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

بقلم : محمد شعبان الموجى
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق


الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *