من المعانى التى وردت فى مقالى السابق والتى أود التأكيد عليها مرة أخرى .. أننا نقف مع الدعوة إلى تطهير كتب التراث مما شابها من اسرائيليات وامور يأباها الشرع الحنيف .. وقلنا أن ذلك كان دأب السلف وأكابر العلماء .. لكن بشرط أن يتم ذلك كله فى مناخ ايمانى علمى نظيف وبلغة علمية صارمة بعيدا عن الحملات الصحفية والدعائية التى تستهدف الإثارة والترويج لموضوعات وكتب تافهه طلـبا للربح والشهرة والرياسة العلمية وطلبا للأتباع .. ومن المفارقات العجيبة أن ( جمال البنا ) الذى يبشرنا بمنهجه العلمى الذى سيسقط أكثر من 50 % على الأقل من الأحاديث بما فيها المروية فى كتب الصحاح .. هو نفسه الذى انتـقد أصحابه الذين يحكمون الرأى الخآص أو الظن الغالب فى الأحاديث (..) فيرفضون أحاديث نبوية شريفة بمبررات ليس لها أساس موضوعى .. وهكذا يشهد شاهد من أهلها .. لكن مالم يذكره ( جمال البنا ) .. أن كثيرا من منكرى السنة المطهرة يعتمدون على الغش والخداع والتضليل والتدليس والكذب والجهل فى انكار العديد من الأحاديث الصحيحة .. وقد رأينا فى المقال السابق كيف حاول صبحى منصور اختراع قصة يثبت من خلالها سقوط عدالة الإمام الأوزاعى التابعى الثبت الثقة الذى أجمع أهل الشآم وعلماء الأمة على علمه وتقواه وورعه وشجاعته .. ولم يتورع صبحى منصور من اتهام هذا التابعى بالكذب على الله ورسوله .. وهى تهمة لو ثبتت لكفر الأوزاعى بالله ورسوله ، ثم هو بالتالى - صبحى منصور - لم يتورع عن تكذيب حديث صحيح هو قول النبى المعصوم : { لايحل دم امرىء مسلم إلا باحدى ثلاث ( .. }
لكن كلام صبحى منصور حول الحديث لم يقف عند هذا الحد .. بل أراد أن يثبت أن بالحديث خطأ لغويا لم تدركه الأمة الإسلامية على مدار أكثر من ألف سنة ولم يلتفت إليه أمثال الإمام مالك الذى كان يفتى الناس وملابس رسول الله صلى الله عليه وسلم مازالت على مشجبه ، والأمام الشافعى الذى كان حجة فى اللغة .. ناهيك عن سيبويه و ابن منظور صاحب لسان العرب وابن جنى وابن السكيت .. حتى قذف الله إلينا بابن الكريمة ليصحح مافات على هؤلاء جميعا (..)
والخطأ الذى اكتشفه علامه عصره كما يقول ..أن صيغة المضارع التى وردت فى حديث النبى صلى الله عليه وسلم { لايحل دم امرىء مسلم يشهد أن لاإله إلا الله .. } تتناقض مع كونه مرتدا (..) حيث يقول : (( ولو أن الراوى استعمل لفظ الماضى فقال : لايحل دم امرىء مسلم ( شهد ) أن لا إله إلا الله .. لقلنا أنه كان يشهد بالإسلام .. ثم طرأت عليه الردة .. ولكن كيف يكون مرتدا ، وهو يشهد فى الحال شهادة الإسلام ؟؟
والمضحك أولا فيما يقوله صبحى منصور .. إعتراضه فقط على كلمة ( يشهد ) .. بينما لم يعترض على كلمة ( مسلم ) كما أورد ذلك فى الصيغة التى اقترحها .. مع أنهما صفتان مترادفتان متلازمتان يؤديان نفس المعنى لأن لهما نفس الدلالة التى يعترض عليها الدكتور فى كلمة ( يشهد ) .. إذ القياس وفقا لإعتراض الدكتــور أن يقال : وكيف يكون مرتدا مع وصفه بأنه ( مسلم ) ؟؟
وثانيا : من الواضح جدا أن الدكتور يجهل أساليب اللغة جهلا مركبا .. (( فالمضارع )) كثيرا ما يأتى فى كلامنا بمعنى الماضى .. مثل قولنا : يقول فلان أو قال فلان .. وفى القرآن الكريم يأتى( المضارع ) كثيرا بمعنى ( الماضى ) .. كمـــا يأتــــــــــى ( الماضى ) أحيانا بمعنى المضارع ؟؟
مثال الأول : قوله تعالى : { ولقد نعلم .. الآية } أى ولقد علمنا .. وقولـــه تعالى { فلم تقتلون أنبياء الله ... الآية } ومعناها : أى فلم قتلتم أنبياء الله ؟؟
مثال الآخر : قوله تعالى : { وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم .. } 18 / المائدة ومعناها : فلم عذب الله آباءكم بالمسخ والقتل .. لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يؤمر بأن يحتج عليهم بشىء لم يكن بعد .. لأن الجاحد يقول : إننى لاأعذب .. ولكن احتج عليهم بما قد كان (( بصيغة المضارع )) (..)
وعليه .. فإن ( يشهد ) التى وردت بالحديث .. معناها ( شهـد ) ..لأنها جـــــــاءت ( كصفة مفسرة ) لقوله صلى الله عليه وسلم { مسلم يشهد } .. ولم تأتى فى موقــــــــــــــع ( الحال ) كما يدعى الدكتور .. يقول الحافظ ابن حجر (( وفى الحديث جواز وصف الشخص بما كان عليه ، ولو انتقل عنه لإستثنائه المرتد من المسلمين .. وهو باعتبار ما كان }} يعنى مثلما نــــقول الآن ( المليونير المفلس ) أى باعتبار ماكان ؟؟
وتتوالى الجهالات اللغوية لصبحى منصور تترى .. فيقول لافض فوه { إن بالحديث الشريف { لايحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا باحدى ثلاث .. الحديث } أخطاء لغوية أخرى .. تدل على أنه حديث مكذوب .. يقول الدكتور : (( جاء الحديث بصيغة ( المذكر ) خلافا للأحكام التشريعية فى العقوبات ، والتى وردت فى القرآن الكريم ..بصيغة ( المذكر والمؤنث ) معا .. كقوله تعالى { والسارق والسارقة .. الآية } 38 المائدة .. { الزانية والزانى ..الآية } 2 النور .. وعليه فإن الحديث يكون معلولا فى متنه من جهة اللغة .. والقياس اللغوى القرآنى ؟؟)
وتناسى الدكتور أو تجاهل عدة حقائق هآمة هى :
1 - أن حد الحرابة .. ورد فى القرآن الكريم بصيغة ( المذكر فقط ) .. حيث يقول المولى عزوجل { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ، ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا ... الآية } 33 المائدة
2 . وحتى لو أخذنا بالحديث بصيغة ( المذكر ) فقط .. فباعتبار أن المرأة لاتقتل بالردة مثل الرجل ؟؟
3- تغليب ( المذكر ) على المؤنث .. هو واحد من إحدى عشر نوعا من أنواع التغليب .. وهو أسلوب من أساليب البيان .. ورد ذكره كثيرا جدا فى القرآن مثل قوله تعالى : { وكانت من القانتين } التحريم .. { إلا امرأته كانت من الغابرين } 83 الأعراف .. والقياس أن يقال ( من القانتات ) ( من الغابرات ) .. فعدت الأنثى من المذكر بحكم التغليب ، وكقوله تعالى { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } 222 البقرة
4- ذكر المذكر دون المؤنث ..باب من أبواب الحذف .. وهو أيضا من أساليب البيان التى وردت كثيرا جدا فى القرآن الكريم .. وأقسام الحذف خمسة أقسام .. ومايختص بنا هنا هو ( الحذف الإكتفائى ) ..كقوله تعالى : { وله ماسكن فى الليل والنهار } 13 الأنعام .. أى وله ما تحرك أيضا .. وكقوله تعالى ( ياأيها الذين آمنوا ) يعنى واللآئى آمن أيضا .. فالإكتفاء فى قوله صلى الله عليه وسلم : { امرىء مسلم يشهد ..} .. يعنى وامرأة مسلمة تشهد .. الثيب الزانى .. يعنى والثيب الزانية .. وهكذا
ويقول عبقرى زمانه ووحيد عصره .. أن الحـــــــديث السابق يتنافى مع قوله تعالى { لاإكراه فى الدين } 256 البقرة .. ويعترض على تفسير المفسرين بان المقصود لااكراه على دخول الدين ؟ لماذا ؟ يقول لو كان الأمر كما تقولون .. لقال الله تعالى { لاإكراه على دخول الدين } .. ثم يقول ساخرا : فهل نسى الله عزوجل كلمة (( دخول )) ؟؟
لاياسيادة الدكتور .. وما كان ربك نسيا .. ولكنه الجهل ولا مؤاخذة .. فهناك شىء اسمه (( حذف المضاف )) وإقامة (( المضاف إليه )) مقامه .. وقد ورد هذا فى القرآن ألف مرة بالتمام والكمال .. كما فى قوله تعالى { واشربوا فى قلوبهم العجل بكفرهم ) 93 البقرة .. أى واشربوا حب العجل (..) ، وكقوله تعالى { حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج .. الآية } 96 الأنبياء .. أى سـد يأجوج ومأجوج (..) ، وكما فى قوله تعالى { وإن الدين لواقع } 6 الذاريات .. أى وإن يوم الدين ( .. ) ، فهل نسى الله عزوجل وضع هذه الكلمات المحذوفات تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ( ؟؟ )
أما بالنسبة لحرف الجر ( فى ) واستعماله محل ( على ) .. فهذا موجود أيضا فى القرآن الكريم .. كما فى قوله تعالى :{ حتى إذا كنتم فى الفلك .. الآية } 22 يونس أى على الفلك ( .. ) ، وقوله تعالى { لأصلبنكم فى جذوع النخل } 71 .. يعنى على جذوع النخل ( .. ) ، وحروف الجر كما يقولون سرها باتع ( ؟؟ )
وبمنتهى البساطة أيضا .. يكذب عبقرى زمانه .. حــــــديث المصطفى صلى الله عليه وسلم : { تركت فيــــــــكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدا .. كتاب الله وسنتى } لماذا ( ؟؟ )
قال علامة زمانه : لأن المفروض أن يقال (( بهما )) وليس (( به )) .. ولذلك فأصل الحديث كما يزعم صبحى منصور : (( كتاب الله )) .. لكن الراوى كانت ذمته واسعه فزاد من عنده ( وسنتى ) ( .. ) ، وهكذا يبلغ بالدكتور المدى إلى منتهاه فى إساءة الظن برواة الحديث من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ( ؟؟ )
إذن مارأيك ياعلامة زمانك فى قوله تعالى : { وخضتم كالذى خاضوا } 69 التوبة (..) ، ومارأيك فى قوله تعالى : { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله } 34 التوبة (..) ، ومارأيك فى قوله تعالى : { أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء .. } 31 النور ، فقد عبر المولى عزوجل عن الذين بـ ( الذى ) ، وعن انفضوا اليـــهـما بـ ( انفضوا إليها ) ؟؟ وعن ينفقونهما بـ ( ينفقونها ) .. وعن الأطفال بــ ( الطفل ) .. مارأيك ( ؟؟ )
الخلط بين كلام الراوى ، وبين متن الحديث؟؟
ويحاول الدكتور أن يمارس هوايته فى البحث عن أى سبيل يطعن به فى أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم .. سواء من ناحية التشكيك فى السند .. أو التشكيك فى سلامة المتن.. من الناحيه اللغويه أو التاريخيه أو الجغرافية أو الدينية.. فيخلط عن عمد ، وربما عن جهل وهو الأرجح..بين كلام راوى الحديث الشريف : ( من بدل دينه فاقتلوه ) .. وبين كلام النبى صلى الله عليه وسلم .. حيث يزعم أن كلمة "زنديق" ذكرت لأول مرة فى الحديث ( هكذا ) .. ليثبت بذلك أن الحديث مكذوب.. كيف ( ؟؟ )
يقول الدكتور : لأن كلمة زنديق ليست عربية (..) ، ولم تكن متداولة ولامعروفة فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم (..) ، وهذا الذى الهراء الذى يردده الدكتور .. يدعو بالفعل إلى الأسف والأسى .. فالحقيقة التى لاتخفى على عاقل .. أن الحديث النبوى مكون من أربع كلمات لاخامس لها .. وهى (من بدل دينه فاقتلوه) .. وليس من بينها كما نرى تلك الكلمة التى يتخذها الدكتور العبقرى دليلاً على كذب الحديث ؟؟
وإنما وردت كلمة "زنديق" على لسان ( عكرمه ) راوى الحديث فى معرض روايته قصة الإستدلال بالحديث فى زمن على كرم الله وجهه (..) حيث يقول : جــئ لعلى بن أبى طالب بزنادقة فأحرقهم (.. ) ، ولم يقل أحد أنه جزء من كلام النبوة المروى عن ابن عباس رضى الله عنهما ؟
ولكن .. هل من الممكن أن يكون الكذب والغش والتضليل والمسخ المتعمد فى نقل الآراء وتحقيق المحققين وكلام العلماء بعضهم عن بعض .. طريق محترم يسلكه العالم للوصول إلى الحق ؟
هل من الممكن أن تهبط أخلاق العلماء إلى هذا الدرك الذى يخدع فيه القارئ العادى الذى لايستطيع فى غالب أمره الرجوع إلى المصادر التى يشار إليها فى كتابات العلماء والمفكرين للوقوف على صحة وسلامة النقل عنهم دون تحريف أو تصحيف ؟؟ فضلاً عن خداع القارئ الذى لا يتصور إطلاقاً أن يزيف مؤلف الكتاب أقوال من نقل عنهم وأشار إلى كتبهم بالصفحة والسطر واسم المطبعة ودار النشر ؟؟
لقد فعل الدكتور صبحى منصور كل تلك الأمور .. فقد نقل عن الحاكم النيسابورى أنه قال : عن عيسى بن موسى "غنجار" .. احتج به البخارى .غير أنه يحدث عن أكثر من مائة شيخ من المجهولين غيـــــر المعروفين.. الذين يحدثون بأحاديث مناكير ( ؟؟ )
وقد أشار المؤلف فى إجتراء منقطع النظير إلى المصدر الذى نقل عنه ورقم الصفحة .. (ليحْبك اللعبة) ولينخدع القارئ .. ولكن لأننى تعودت والحمد لله رب العالمين .. ألا أثق فى كلام أمثال هذا الدكتور .. فقد رجعت بنفسى إلى كتاب "معرفة علوم الحديث" للحاكم النيسابورى.. فاكتشفت ما كنت أتوقعـهً تماماً .. أن الدكتور قد كذب وزيف عامداً متعمداً كلام الحاكم النيسابورى ؟؟
فقد حذف أولاً قول الحاكم فى تعديل (..) "عيسى بن موسى " ، والذى يقول فيه بالحرف الواحد (( شيخ فى نفسه ثــقة مقبول )) ؟؟ .. وثانياً: حذف أيضاُ عبارة اخرى فى غاية الأهمية يقول فيها الحاكم مبرئاً ساحة الراوى المذكور حيث يقول : (( وربما توهم طالب هذا العلم أنه بجرح فيه ، وليس كذلك )) .. يعنى روايته عن هؤلاء المجهولين بأحاديث مناكير .. لا يطعن فى عدالته .. لماذا ؟؟ لأن الحديث المنكر من أقسام الحديث الضعيف ، وليس من أقسام الحديث الموضوع المختلق كما يتوهم البعض .. وكلمة "منكر" فى وصف الحديث .. ليست هى المذكورة فى القرآن الكريم أوالسنة المطهرة.. وإنما هى ( اصطلاح اصولى ) يقصد به ما رواه الضعيف مخالفاً الثقات ، وبالتالى فاحتمال ثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وارد .. لكنه احتمال مرجوح برواية الثقة المخالفة له .. فلا يعد - من ثم - كذباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. والرواية عن الضعفاء والمجهولين ليست قادحة فى عدالة الراوى .. وإن كانت قادحة فى صحة الحديث المروى .. فناقل الكفر ليس بكافر .. ثم إن الرواية عن (مجهول ) عند العلماء .. قد يكون معلوماً عند الراوى عنه .. المهم أن الدكتور منصور قد زيف رأى الحاكم تزييفاً ( منكراً ) .. يحذف ما يشاء .. ويثبت ما يشاء ( حسب الطلب وحسب ما يطلبه المخرج ؟؟ )
وأخيرا لقد اضطررت اضطرارا إلى إعادة تذكير القارىء ببعض ما قلناه من عدة سنوات ، وكنت أحسب أن الدكتور قد تراجع عن كتابه المعجز ( حد الردة ) .. ولكننى فوجئت به وهو يستدل بما جاء فيه دون استحياء فى حواره مع الأحرار .. ولكن يبدو أن الدكتور من الذين يؤمنون بأنه لاحياء فى الدين ( ؟؟ )
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
بقلم : محمد شعبان الموجى
الأثنين 28 يونيو 1999
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق