ومازال مسلسل التكذيب العشوائى للأحاديث مستمرا
قلنا مرارا وتكرارا أن ثمة فرق كبير بين الإجتهاد القائم على اسس علمية محترمة ، وبين الإفتراء على الدين والتطاول على التاريخ الفقهى للأمة ولأئمة الفقة وورثة الأنبياء .. لكن البعض للأسف الشديد قد فقد الرؤية وأصابه العمى .. عمى البصيرة فأصبح لايفرق بين الإجتهاد والإفتراء .. ولا بين العلم والجهل .. ولابين التكذيب العشوائى لأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم والنقد العلمى المشروع لها .. وماكتبه هذا الباحث الجهول عن مذاهب الفقهاء والعلماء وتكذيبه لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم لهو دليل صارخ على قلة العلم وقلة الأدب مع العلماء وهذا ماسوف نوضحه فى النقاط التالية :
أولا : يقول الباحث الجهول : ( ومن المفردات التطبيقية للإشكالية السابقة ( أى نسخ السنة للقرآن ) قضية هل للوارث وصية أم لا ؟ .. وهم يستندون إلى حديث آحاد رواه الدارقطنى عن جابر بن عبد الله ينص على أنه ( لاوصية لوارث ) ثم يقول وهذا الحديث يتناقض مع الآية القرآنية ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ) البقرة 180 .. وهم يطبقون ( يقصد جميع علماء الأمة ) قاعدتهم العجيبة فيدعون ( أى الأئمة الأعلام وغيرهم من أكابر أهل العلم ) أن الحديث نسخ الآية القرآنية رغم أن هذا الحديث قد وسمه السيوطى بالحسن فهو لم يرق إلى مستوى الصحة وتلك كارثة أخرى ) .. والحقيقة أن كلام هذا الباحث الجهول هو الكارثة بعينها .. لماذا ؟
أولا : لأن الباحث الجهول الذى يزعم أن نص الحديث الناسخ للوصية .. هو (( لاوصية لوارث )) كده هو خبط لزق وبدون مقدمات .. قد اسقط ثمانية كلمات من متن الحديث الشريف الذى رواه البخارى معلقا وبوب له بابا ورواه الترمذى والنسائى وأبو داود وابن ماجه وأحمد فى مسنده والأمام مالك فى الموطأ والدارمى فى سننه .. وليس الدارقطنى وحده هو الذى رواه كما يتوهم الباحث الجهول الذى لم يذكر سوى الثلاث كلمات الأخيرة من الحديث الشريف .. فتغير المعنى تماما .. فنص الحديث هو قول الشفيع المشفع يوم القيامة فى حجة الوداع (( إن الله قد أعطى كل ذى حق حقه فلا وصية لوارث )) .. وفى رواية أخرى (( إن الله قد قسم لكل انسان قسمه من الميراث فلا تجوز لوارث وصية )) .. والفرق كبير جدا .. إذ لو اقتصر حديث النبى صلى الله عليه وسلم على القول بأنه ( لاوصية لوارث ) .. لكان من الممكن أن يكون لكلام الباحث ومن غش عنهم هذا الإعتراض معنى ووجاهة ووجهةنظر يستمع إليها .. لكن الحديث بنصه الكامل كما جاء فى كل الكتب التى ذكرناها يدل على عدة معان هآمة :
أولا : أن حديث النبى صلى الله عليه وسلم يبين فقط أن آية المواريث التى أعطى الله فيها عزوجل لكل ذى حق حقه .. هى التى نسخت آية الوصية وليس الحديث الشريف هو الذى نسخها (..)
ثانيا : وتدل كلمات الحديث بنصه الكامل .. على أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتحدث عن حكم عآم .. إذ أنه قد ذكر صراحة علة المنع من الوصية للوارث .. بقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله قد أعطى لكل ذى حق حقه ) .. فإذا أضفنا إلى ذلك أن الحديث قد روى فى حجة الوداع .. تأكد لنا على وجه اليقين أنه لامعنى مطلقا لقول هذا الباحث الجهول بأن الحديث ربما يكون حكما خآصا بحادثة عابرة ولت وانتهت ( أى كلام ياعبد السلام ) .. إذ أن الأصل فى الأحكام أنها عآمة .. ومن ادعى الخصوصية فعليه بالدليل .. فما بالنا ومتن الحديث ومناسبة قوله يؤكدان على انه حكما عآما بلا خلاف (..)
ثانيا : لم يقل أحد من العلماء أن الحديث الشريف هو الذى نسخ بمفرده آية الوصية - رغم أننا وضحنا أن الحديث لم ينسخ آية الوصية وإنما بين ووضح فقط أن الآية قد نسخت بآية المواريث ( إن الله قد أعطى لكل ذى حق حقه فلا وصية لوارث ) .. والعبد لله على أتم استعداد لأن يضع أصابعه العشرة فى عين أى باحث من أى طراز كان يزعم غير ذلك .. فمذاهب العلماء فى آية الوصية تتلخص فى الآتى :
1- أن الآية منسوخة بآية المواريث .
2- أن الآية لم تنسخ بآية المواريث وحدها وإنما بضميمة أخرى الحديث والسنة العملية المتواترة .
3- أن الآية مفسرة بآية المواريث .
4- أن الآية منسوخة فيمن يرث .. ثابتة فيمن لايرث كالوالدين الكافرين والعبدين وكالأقربين الذين لايرثون .
5- أن الآية محكمة ظاهرها العموم ومعناها الخصوص فى الوالدين اللذين لايرثان كالكافرين والعبدين وفى القرابة غير الورثة .
6- أن الآية منسوخة بالسنة وحدها .. أى بالسنة العملية المتواترة ، وليس بحديث الآحاد وحده .. وأصحاب هذا الرأى يرون أنه كان يمكن الجمع بين آية الوصية وآية المواريث لولا هذا الحديث الذذى أيدته السنة العملية (..) على أساس أن يأخذوا المال عن المورث بالوصية إن أوصى (..) ، وبالميراث إن لم يوص أو مابقى بعد الوصية (..) ، وهو رأى شاذ جدا .. إذ أنه يجعل وصية الله اختيارية غير واجبة بينما يوجب وصية الإنسان .. وهو مايخالف منطوق آية المواريث التى تحذر من التعدى على حدود الله فى االأنصبة التى حددها الله فى كتابه { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا } الآية 7 النساء وقوله تعالى : { يوصيكم الله فى أولادكم } الآية 11 النساء وقوله تعالى { وصية من الله } الآية 12 النساء وقوله تعالى { تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها } الآية 13 النساء وقوله تعالى { ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين } الآية 14 النساء وقوله تعالى { .. فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شىء عليم } الآية 176 الـــنساء .. فضلا عن مخالفة هذا الرأى للسنة العملية المتواترة (..)
ثالثا : ومن السطور السابقة يتبين لنا أيضا أن ( الوصية لوارث ) بغير إذن الورثة فيها ظلم كبير على واضرار جسيم بالورثة الشرعيين ، وفيها تعد واضح على حدود الله ، وعلى الأنصبة التى فرضها الله صراحة ، وأعطى بها لكل ذى حق حقه .. لاسيما وأن قيمة الوصية لم يحددها القرآن وإنما حددتها الحديث بالثلث والثلث كثير ، ولو افترضنا جواز ( الوصية لوارث ) .. لأستعرت الخلافات ولـتصاعدت المشاحنات ولأغرت هذه الوصايا البشرية بين الورثة الشرعيين العداوة والبغضاء إلى يوم الدين .. وإذا كان وجود قانون إلهى يحدد بدقة أنصبة الورثة الشرعيين لم يمنع كثيرا من تلك المشاحنات فلنا أن نتصور ماذا يمكن أن يحدث لو تم توزيع الميراث وفقا لأهواء البشر .. ولذلك فإن المولى عزوجل قد أعطى للموصى إليه الحق فى أن يعدل ويصحح من الوصية - لغير الورثة - إن رأى فيها ميلا عن الحق سواء تعمد ذلك أم أخطأ .. كأن يوصى لوالديه وأقربيه الذين لايرثونه بأكثر مما يجوز أن يوصى لهم به من ماله .. أو كأن يوصى الرجل لبنى ابنه ليكون المال لأبيهم .. أو توصى المرأة لزوج ابنتها ليكون المال لأبنتها وهكذا إلى آخر صور التحايل على شرع الله .. فما بالنا إن كانت ( الوصية لوارث ) ترجع إلى أهواء المورث وليس إلى شرع الله الثابت .. سنجد أن من يحب الذكور يوصى لأبنائه الذكور إلى جانب نصيبهم المفروض ويحرم الإناث .. ونجد من يعترض على حكم الله فى الذكر مثل حظ الأنثيين .. يسوى بين الذكور والإناث خلافا لوصية الله .. وهكذا حتى تسقط آيات المواريث تماما (..)
رابعا : وإذا كان الباحث الجهول يعترض على نسخ السنة للقرآن .. فما تفسيره لقوله تعالى : { من بعد وصية يوصى بها أو دين } .. هل نؤخر الديون ونقدم الوصية كظاهر القرآن .. أم نقدم ( الدين ) عن ( الوصية ) كما قضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما هو مقرر فى القانون المصرى وفى كل قوانين العالم .. فنكون بذلك قد نسخنا القرآن بالسنة ؟؟
خامسا : أما ادعاء الباحث الجهول بأن الفقهاء إذا وجدوا تناقضا بين آية قرآنية مع حديث .. فإنهم يأخذون بالحديث ويضربون بالآية عرض الحائط .. فهو كلام سخيف وافتراء فاجر .. إذ أن القرآن الكريم ظل وسيظل دائما الإهتمام الأساسى والمحور الرئيسى لفقهاء الأمة .. و لو كلف هذا الباحث الجهول نفسه وفتح كتاب صحيح البخارى مثلا لوجد أن البخارى رحمه الله كان يصدر كلامه دائما بآيات الأحكام إن وجدت .. فأكثر الأحاديث والسنن إنما جاءت لتخصيص عام القرآن وتفسير مجمله وتقييد مطلقة .. أى رد متشابه القرآن إلى محكم القرآن أو إلى محكم السنة والأحاديث .. إذ لايكفى ان تكون الآيات القرآنية قاطعة الثبوت .. بل لابد كذلك أن تكون محكمة أى قاطعة الدلالة أيضا .. وإلا لأصبحت من المتشابهه أى الذى يحتاج إلى تخصيص وتقييد وتفسير ولذلك يلجأ العلماء والفقهاء إلى الحديث والسنة لمعرفة الأحكام .. أى رد المتشابه إلى المحكم (..)
وأخيرا أشير إشارة سريعة إلى الحديث الذى تبرع بالتشكيك فيه أخونا العزيز الأستاذ أحمد رفعت والذى بات تحيزه لمنكرى السنة وسخريته من الكتاب الإسلاميين أمرا واضحا لاخفاء فيه .. حتى فقدت الألقاب الكبيرة التى يخلعها على منكرى السنة مثل المفكر والباحث والمجتهد معناها ، وصارت مثل ألفاظ البيه والباشا والأفندى التى يرددها العوام وعساكر الدرك بدون معنى حقيقى .. لقد شكك أخى الأستاذ أحمد رفعت فى حديث الشفيع المشفع صلى الله عليه وسلم والذى يقول فيه : { نحن معاشر الأنبياء لانورث } ويزعم أنه يتعارض مع قوله تعالى :{ وورث سليمان داود } .. والجواب على ذلك أن ميراث الأنبياء الذى لايورث فهو المال .. أما الميراث الذى ورثه سليمان من داود ويحيى من زكريا عليهم جميعا السلام .. فهو وراثة الملك والنبوة والعلم .. إذ لو كان المقصود من الآية الكريمة وراثة المال لما كان لذكرها فائدة .. إذ أن الناس يعلمون أن الأبناء يرثون الآباء أموالهم .. يقول ابن قتيبة : وأى مال كان لزكريا عليه السلام يضن به عن عصبته حتى يسأل الله تعالى أن يهب له ولدا يرثه ؟؟ لقد جل هذا المال إذا وعظم- عنده - قدره ونافس عليه منافسة أبناء الدنيا الذين يعملون وللمال يكدحون .. ولو تأملنا وصايا الأنبياء لأبنائهم لوجدناها جميعا تؤكد على هذا المعنى .. ولعلنا نذكر قصة الصحابى الجليل الذى نادى فى المسلمين أن ميراث النبى صلى الله عليه وسلم يوزع فى المسجد .. فهرع الكثير إلى المسجد ليأخذوا الميراث ظنا منهم أنه ميراث أهل الدنيا .. فإذا بالصحابى الجليل يوضح لهم أم ميراث الأنبياء هو العلم والحكمة .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
بقلم : محمد شعبان الموجى
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق