التكذيب العشوائى للأحاديث النبوية .. عمل إجرامى !!




يقرر الحافظ بن حبان رحمه الله قاعدة أخلاقية هآمة .. وهى أنه من المحال أن ( يجرح العدل بكلام المجروح ) .. والله عزوجل يدعونا إلى أن نأخذ حذرنا عندما يتحدث المجروح ويطعن فى سيرة الشرفاء الأتقياء .. مصداقا لقوله تعالى فى سورة الحجرات (( إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على مافعلتم نادمين )) .. وهذا وحده كافيا فى رد شهادة منكرى السنة أو على الأقل ضرورة التثبت مما يقولون .. وفيما ينسبه هؤلاء من طعن وغمز ولمز فى عدالة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى أكابر التابعين وتابعيهم و كآفة العلماء والأئمة الأعلام والمحدثين على مدار أربعة عشر قرنا من الزمان .. فقد جمع منكرو السنة فى آن واحد بين قلة العلم وقلة الأدب مع الإسلام و المسلمين .. ومع ذلك فقد آثرنا أن نناقش آراء تلك العصابة التى تود هدم السنة المطهرة أحد أهم المرجعيات الإسلامية .. تحت دعوى إعادة فحص المتون وعرضها على القرآن .. مناقشة علمية وعقلية (..) 

ونحن بدورنا لاننكر أبدا ضرورة تهذيب وتنقية التراث ولا نحن ضد أعادة تصحيح الأحاديث .. كيف وسلفنا الصالح قد بذل كل جهده ونذر نفسه لتلك المهمة الشآقة منذ بداية جمع القرآن الكريم فى كتاب واحد وفى الجهود العظيمة التى بذلها رجال الحديث من أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد .. بل وإلى عصور قريبة .. كنا نسمع عن رجال عظماء محترمين من أمثال رشيد رضا واحمد تيمور وأحمد شاكر ومحب الدين الخطيب والشيخ نصر الدين الألبانى وغيرهم من الجنود المجهولين .. وجهودهم الخلاقه بتنقية كثير من كتب التراث تحت أيدينا شاهدة على عظمتهم .. فلماذا استقبلت الأمة عملهم بالقبول والرضا .. و لماذا لم يعارضهم أحد فضلا عن أن يتهمهم بالخروج عن الدين .. رغم أنهم رفضوا قبول كثير مما ورد فى كتب التراث والحديث .. والسبب بسيط .. هو أن عملهم هذا قام على أساس علمى وبلغة علمية صارمة ومحترمة .. لايملك المرء امامها إلا الوقوف باجلال واحترام حتى ولو اختلف معهم .. لكن ما يقوم به الآن زعيط ومعيط ونطاط الحيط من التكذيب العشوائى الذى لاضابط له سوى الأهواء الفاسدة والأفكار المجرمة .. تحت ستار تنقية التراث والتجديد .. فهو عمل أقرب إلى العمل الإجرامى منه إلى العمل العلمى الصارم .. وكل ذلك يتم بلغة رخيصة تهدف إلى الهدم والتخريب والإثارة الصحفية التى يذكيها كدابو الزفة من بعض شباب الصحفيين بحثا عن الوهم (..) 

وأمامنا الآن مثالا صارخا على جريمة التكذيب العشوائى لأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم .. والتى يمارسها صبحى منصور منذ زمن بعيد .. وسوف تلحظ فيها أولا بعدها عن المنهج العلمى فى الجرح والتعديل ، وثانيا : قلة الأدب مع علماء الإسلام وكتب التراث والحديث النبوى الشريف . 

قلنا فى المقال السابق أن صبحى منصور تجاهل عن عمد .. قصة استدلال الخليفة الراشد عثمان بن عفان بالحديث النبوى الشريف { لايحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث .. } وتوسله به إلى قتلته كى يعصم دمه الزكية .. رغم أن القصة مشهورة .. ومن المؤكد أن الدكتور صبحى قرأها ودرسها ولايمكن أن تكون قد غابت عن ذهنه وهو يـتناول الحديث عن حد الردة .. لكنه أراد أن يستغفل القارىء لتسهل مهمته فى الطعن فى الحديث وفى تجريح الإمام الأوزاعى رضى الله عنه ووصفه بأنه يتمتع بالجرأة على الكذب والإختلاق .. وبأنه استطاع أن يخدع أهل الشام كلهم كابرا عن كابر (...) وأن يضحك عليهم بمن فيهم من العلماء والرجال والنساء وأن يقنعهم بتقواه المفتعلة وبزهـده الكاذب طوال حياته ؟؟؟؟؟ .. وهكذا يثبت الدكتور بأنه يعلم السر وأخفى وأنه يعلم خآئنة الأعين وما تخفى الصدور ولو كان بينه وبينها أكثر من ألف سنة ؟؟ مع أنه من أكبر الرافضين لمبدأ الحكم على عقائد الناس ، وكانت هذه هى حجته دائما فى الدفاع عن المرتدين والكافرين والملحدين .. وهكذا يطعن صبحى منصور فى عقيدة الأوزاعى ويحكم على تقواه وزهده ؟؟؟؟ .. مع أنه من المحال كما قلنا أن يجرح العدل بكلام المجروح .. لكن ربما لأن ( إنكارحد الردة ) لحماية الملحدين وزبائن الحملات التنصيرية .. و( انكار الرجم ) لحماية الزناة هما أهم شروط الإنضمام لمركز ابن خلدون أو ابن صهيون لايهم .. ولذلك اسألوا التاريخ من هم الذين ثاروا فى وجه السادات حينما أراد مجلس الشعب المصرى التقنين فى عهده لتطبيق حد الردة .. رغم أن الحد لايخصهم فى شىء ؟؟؟؟ ولـــذلك فإن انكار حد الردة ورجم الزانى من أهم المواضيع التى تشغل بال منكرى السنة (..) 

المهم تجاهل الدكتور صبحى منصور تلك القصة تماما .. وراح يتلقف قصة أخرى حدثت بعد قصة عثمان رضى الله عنه بأكثر من مآئة عام .. وهى قصة الإمام الأوزاعى رضى الله عنه مع ابن عم الخليفة العباسى .. وليس فى القصة كما سنرى بعون الله .. إلا تأكيدا على عظمة الإمام الأوزاعى وشجاعته النادرة رغم دواعى الخوف التى كانت تتحرك بداخلة ككل البشر .. لكنه ثبت ولم يستجب لها ولم تمنعه عن قول الحق !! 

فابن عم الخليفة العباسى يسأل الإمام الأوزاعى ، وهو ينكت يخيرازنة فى يده .. يا أوزاعى : ماذا ترى فيما صنعناه (( ولاحظ هنا أنه يسأله عن شىء وقع ، ودماء سالت بالفعل )) من إزالة الظلمة عن العباد والبلاد .. أجهادا ورباطا ؟؟ 

فقال الأوزاعى : ياأيها الأمير : سمعت يحيى بن سعيد الأنصارى يقول : سمعت محمد بن ابراهيم التيمى يقول : سمعت علقمة بن وقاص يقول : سمعت عمر بن الخطاب يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل إمرىء ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إمرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه } ؟؟ 

قال الأوزاعى رحمه الله : فنكت بالخيرازنة أشد مما كان ينكت ، وجعل من حوله يقبضون أيديهم على قبضات سيوفهم .. ثم قال : يا أوزاعى ما تقول فى دماء بنى أمية ؟؟ 

فقلت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لايحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث .. النفس بالنفس ، والثيب الزانى ، والتارك لدينه المفارق للجماعة } ؟؟ 

قال الأوزاعى : فنكت بها أشد من ذلك (( وهذا دليل اشتداد غضبه من إجابة الأوزاعى الذى لم يقره على القتل العشوائى .. ولو كان فى الإستدلال بالحديث مايطلق للسلطة العباسية العنان لقتل خصومها .. لفرح ابن عم الخليفة ، ولقام واحتضن الإمام الأوزاعى وفتح له مركز ابن صهيون ليحقق من خلالها طموحاته )) .. ثم تستمر بعد ذلك الإجابات الشجاعة لإمام الأئمة .. فيسأله ابن عم الخليفة : ماذا تقول فى أموالهم ؟؟ 

فقال : إن كانت حراما فهى حرام عليكم أيضا ، وإن كانت حلالا فلا تحل لك إلا بطريق شرعى .. قال : فنكت أشد ما يكون قبل ذلك .. ثم قال : 

ألا نوليك القضاء ؟؟ فقلت : إن أسلافك لم يكونوا يشقون على ذلك ، وإنى أحب أن يتم ما ابتدأونى به من احسان .. فقال : كأنك تحب الإنصراف .. فقلت : إن ورائى حرما محتاجون إلى القيام عليهن ، وسترهن ، وقلوبهن مشغولة بسببى .. قال الأوزاعى : وانتظرت رأسى أن يسقط بين يدى .. فأمرنى بالإنصراف .. فلما خرجي إذا برسوله من ورائى ، وإذا معه مآئتا دينار .. فقال : يقول لك الأمير استنفق هذه .. قال الأوزاعى : فتصدقت بها .. وإنما أخذتها خوفا .. وقال الرواى عن الأوزاعى : وكان فى تلك الأيام الثلاثة .. إن الأمير لما بلغه ذلك عرض عليه الفطر عنده فأبى أن يفطر عنده ؟؟ 

هذه ببساطة شديدة قصة إمام جليل من أئمة الهدى مع خليفة هائج الأمواج .. يحاول من خلالها الدكتور أن يبرهن على أن الإمام الأوزاعى رحمه الله سيطرت عليه مشاعر الخوف والرعب حتى اضطر إلى اختراع حديث { لايحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث ..} والكذب عمدا على الله ورسوله تملقا، ونفاقا للسلطة العباسية الجديدة ويعلم الله من هو الكذاب ؟؟ 

والحقيقة الواضحة .. أن الدكتور صبحى منصور فى نقده لقصة الإمام الأوزاعى رضى الله عنه .. قد سلك مسلك من قال الله فيهم { وإن يكن الحق يأتوا إليه مذعنين } النور 49 .. فهو من الرافضين لمبدأ الجرح والتعديل وأقوال الرجال بعضهم فى بعض .. ويسخر دائما من قال وحدثنا والعنعنة .. فعلى أى أساس قبل كلام رجال فى الأوزاعى .. مع أن المسافة بينه وبينهم أكثرمن ألف عام ؟؟ لماذا يقبل مثلا كلام القاضى عبد الجبار وهو من شيوخ المعتزلة .. وكلام مسرور بن سعيد فى الأوزاعى .. ثم إن كلامه من أوله إلى آخره يخالف العقل والمنطق ويسىء الظن بأئمة الإسلام بالمخالفة لآداب القرآن الكريم ؟؟ 

فهو أولا : يشكك فى 9و99 % من أحداث القصة المشار إليها آنفا .. والتى يستند إليها فى تجريح الإمام الأوزاعى رضى الله عنه ، وإثبات مناسبة إختلاق الحديث تاريخيا ؟؟ 

فالعجب كل العجب أنه لايصدق فى تلك القصة كلها طولا وعرضا وارتفاعا .. سوى قول الأوزاعى رضى الله عنه لأبن عم الخليفة { لايحل دم إمرىء مسلم .. الحديث } .. متملقا به حسب زعمه .. الحكام العباسيين .. ليجدوا مبررا لقتل خصومهم الأمويين .. رغم أنهم كانوا قد قتلوهم بالفعل ؟؟؟ أما باقى أقوال الأوزاعى الأخرى والتى تبين شجاعته .. فهى حسب كلام الدكتور .. قصة انتحلها الأوزاعى ليظهر أمام الناس بمظهر الرجل الشجاع .. وهو ما يحكم العقل ببطلانه .. ليس العقل وحده .. بل التاريخ أيضا .. لماذا ؟؟ 

1 . لأن الخليفة العباسى لم يكن فى حآجة إلى مثل تلك الفتوى السرية (..) .. لسفك دماء الأمويين .. أولا : لأن جمهور المسلمين وقتئذ امتلأت نفوسهم سخطا وحنقا على البيت الأموى الذى أذاقهم الكثير من صنوف الظلم والإستعباد ، وحرمهم من الإنصاف والعدل الإجتماعى ، وإزدرائهم للحق والواجب الإجتماعى .. وثانيا : لأن العباسيين قد سفكوا الدماء ونهبوا الأموال بالفعل .. قبل أن يقف الأوزاعى هذا الموقف ؟؟ 

2 . وإذا كان الإمام الأوزاعى قد زيف أجوبته التى أجاب بها على ابن الخليفة العباسى .. ليظهر شجاعة كاذبة أمام مريديه وأتباعه كما يزعم صبحى منصور فى أكثر من 99% من أحداث القصة .. فهل عجز الأوزاعى عن تزييف أو حذف إجابته التى استدل فيها بحديث ( لايحل دم امرىء مسلم .. ) لتبقى صورته أمام مريديه كما أراد .. إن كان بالحديث ما يشعر بالنفاق والتملق ؟؟ لماذا لم يزيف تلك الإجابة أيضا أمام الناس خصوصا وأنه هو نفسه راوى القصة والحوار ؟؟ 

3 . وإذا كان الأوزاعى قد اختبأ ثلاثة أيام ليجهز دفاعه عن نفسه ، وليتملق به السلطة الجديدة .. وليعلن استعداده لخدمتها كما يفترى عليه الدكتور ظلما وعدوانا .. فلماذا لم يجهز اسنادا لحديث ( لايحل دم امرىء مسلم } والذى يزعم الدكتور أنه من اختلاق الأوزاعى .. كما فعل بحديث { إنما الأعمال بالنيات } وهى الملاحظة التى أشار إليها الدكتور .. لإثبات أن الحديث لم يكن له اسناد حين رواه الأوزاعى .. وهل يصعب على مثل الأوزاعى الذى يخترع الأحاديث نفسها ( كما يزعم الدكتور المحترم ) .. أن يؤلف عشرات الأسانيد فى ثلاث دقائق .. لافى ثلاثة أيام ؟؟ 

4. ثم تبلغ المزاعم الكوميدية مبلغها فى قول صبحى منصور أن الأوزاعى اختبأ ثلاثة أيام يبحث عن إجابة للأسئلة التى سيوجهها له ابن عم الخليفة بعد ثلاثة أيام ؟؟؟؟ .. والسؤال الآن للعقلاء فقط .. كيف استطاع الأوزاعى أن يعرف فحوى الأسئلة التى سيوججها له ابن عم الخليفة ؟؟ هل تسربت من الكنترول قبل الإمتحان بثلاثة أيام ؟؟ أم كان الأوزاعى يضرب الودع ويقرأ الفنجان ويفتح المندل .. عموما من يعرف الإجابةعلى هذا السؤال له عندى حآجة حلوة ؟؟ 

5 . والسؤال المهم .. وهل فى حديث { لايحل دم امرىء مسلم .. } ما يطلق يد العباسيين أو غيرهم على أعدائهم كما أسلفنا القول ؟؟ لقد أجبنا من قبل على هذا السؤال .. وقلنا إن الحديث يعصم الدماء ولا يبيحها إلا فى ثلاث حالآت وفقا للضوابط الفقهية والقانونية .. ولذلك استدل به عثمان بن عفان كما تقدم ليعصم دمه من قتلتله لا ليعطيهم دليلا شرعيا لذبحه ؟؟ 

6 . وهل كان الخليفة الراشد الذى استدل قطعا بالحديث قبل الأوزاعى بأكثر من مآئة عام .. هل كان هو الآخر ينافق الخليفة العباسى وهو مازال فى علم الغيب ؟؟ 

والدكتور أمام تلك الرواية على خيارين : إما أن يقبل بصحة الرواية عن عثمان خصوصا وأنها مشهورة ومستفيضة .. فيسقط افتراءه على الأوزاعى باختلاق الحديث ؟؟ .. إلا أن يتهم عثمان بن عفان هو الآخر باختلاق تلك الرواية والكذب على الله ورسوله متعمدا ؟؟ 

وإما أن يذهب الدكتور بعشوائيته المعهودة فى تكذيب الأحاديث لأوهن الأسباب وأتفهها .. فينكر الرواية عن عثمان .. فيثبت يقينا أنه صاحب هوى وغرض .. إذ كيف يقبل 1% من روايةالأوزاعى مع ابن عم الخليفة العباسى .. فى الوقت الذى يهدر فيه 99% من الرواية و يهدر أيــــضا رواية عثمان المشهورة ‍‍!! 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، 

بقلم : محمد شعبان الموجى 

الاثنين، 21. حزيران 1999

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق


الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *