ناصر ... ( 3 )




ناصر ... (3) 



بقلم : محمد شعبان الموجى 






^ يقول الأستاذ توفيق الطيب فى رسالته القيمة ( الحل الإسلامى ما بعد النكبتين ) : (( إن دولة المخابرات لم تسقط يوم 5 يونيو حزيران ولن تسقط أبدا مالم يسقط عالم الأفكار الذى أقامها .. والذى قبلها وتقبلها .. والذى حماها )) .. و يزداد يقينى بما قاله هذا المفكر الإسلامى العظيم .. من أن نكبتنا الحقيقية هى نكبة فكر .. أو ما أسموه بالفكر العربى الحديث .. فنكبتنا بأفكارنا كانت قبل نكبتنا بأرضنا .. بل كانت هى المقدمة والسبب لنكبة الأرض .. فـنكبة 48 كان هزيمة ماحقة لما أسموه بالفكر الليبرالى العربى .. ونكبة 67 كان هى الأخرى أعلان رسمى بهزيمة ما سمى بالفكر الإشتراكى الثورى .. مهما حاول الثوريون المناورة والترقيع لستر عوراتهم .. وكلاهما هزيمة لتيار التغريب فى الفكر العربى )) !! 


^ وعندما نقول هزيمة لتيار التغريب فى الفكر العربى .. فيجب أن نقف ونتأمل أمام ذلك القول كثيرا .. فعبد الناصر على الرغم من أنه اتخذ من القومية العربية عقيدة وديانة يتعبد له بها كثير من القوميين العرب .. وعلى الرغم من أنه اجتهد كثيرا أو اجتهد له الشيوعيون والعلمانيون والملحدون العرب كثيرا لخلق بديل قومى عربى يغنى عن الإسلام .. مما أنهك أمتنا بلا طائل وشتت قواها .. إلا أنه قد فشل فشلا ذريعا فى خلق ثقافة عربية أو فن عربى .. أو زى عربى أو نهضة عربية أو وحدة عربية .. ولسنا فى حآجة إلى تقديم دليل أو شاهد على تلك الحقيقة المؤلمة .. فأطنان الكتب والمجلات التى طبعت فى تلك الفترة دليل ساطع لاينكره إلا الأعمى .. ولعل فيما ذكره الأستاذ محمد الحيوان فى كتابه ((قصة الديون السوفيتية على مصر )) والذى صدر فى 1978 دليل آخر رغم عدم حآجتنا إلى دليل كما قلنا .. يقول الأستاذ محمد الحيوان : (( مصر تحتفل بالمولد النبوى يوما واحدا ، والمسيح يوما واحدا .. ولكن مصر احتفلت لمدة شهر كامل بمرور مآئة سنة على مولد الزعيم لينين ، لم تكن مصر هى التى أقامت الإحتفالات ولكن الأجهزة المسئولة .. والشعب لم يشارك فى هذه الإحتفالات ولا حتى الإستماع والمشاهدة .. وهناك دليل على ذلك هو أن الكتب التى وزعت عن لينين فى هذه المناسبة لم تمتد إليها يد مشترية .. لقد بيعت 16 نسخة )) !! 


والميثاق كما يقول الأستاذ محمد الحيوان أيضا .. كان يزعم أن الأديان مجرد ثورات وعندما تمت مناقشته وطلب المؤتمر القومى تعديله وافق عبد الناصر على أن تكون مذكرة التعديل منفصلة عن الميثاق نفسه ، وعندما تراجع عنها واعتذر لكمال الدين حسين بأنه وافق لأنه كان (( مزقوقا ) ) ، والأدلة بعد ذلك متوافرة ومتضافرة وكلها يؤكد على جنوح الفكر السائد فى زمن عبد الناصر نحو الإلحاد و الماركسية ‍!!


^ ولأن أزمتنا كما قلنا .. هى أزمة فكر فى نهاية المطآف .. أصبح لزاما علينا .. وعلى جميع القوى الوطنية الشريفة التصدى بكل حزم لتلك العصابات الناصرية التى تحاول التقهقر بنا والعودة إلى الوراء .. وتبشرنا صحفها اسبوعيا بقرب عودة الإشتراكية لتحكمنا من جديد .. وتمارس كل أساليب الترغيب والترهيب والتجميل والكذب وتزييف التاريخ .. بنفس القدر الذى يجب علينا فيه أن نواجه ما يسمى بالفكر الليبرالى الرأسمالى .. فكلاهما انتهى بنا إلى النكبتين .. نكبة 48 ونكبة 67 .. وكلاهما انتهى بنا إلى الوقوع فريسة تحت أنياب النخبة المترفة .. وتأثيراتها المدمرة على بنية المجتمع .. لابد إذن من فكر جديد ينطلق من إسلامنا بعيدا عن هيمنة الغرب أو الشرق .. وهذا هو وحده شرط الخروج من حالة الضياع والهوان والذل التى نعيشها اليوم !!


^ إن اول ملامح فكرنا الإسلامى البديل .. هو التصدى لفكرة الفرعون وعبادة الفرد والخضوع لأهوائه ونزواته .. أو بلغة القرآن الكفر بالطاغوت والإيمان بالله وحده لاشريك له .. إن فكرة الفرعون أو المخلص أو الحاكم المعصوم أو الشريك مع الله هى الحيثية الأساسية وربما الفكرة الوحيدة المسيطرة على كثير من الناصريين .. ولسنا بحآجة إلى إقامة الدليل على ذلك .. ولكن يكفى ما تطالعه كل اسبوع فى الصحف الناصرية وما يكتب فيها من شرك جلي ظاهر .. عن القدرات اللآمحدودة لخالد الذكر .. وأصبحنا نقرأ اليوم فى كثير من مقالات الناصريين كلمة لو .. آه لو كان عبد الناصر بيننا .. هل كان من الممكن والمتاح أن تجرى أحداث الأمة مربوطة بالعجز وتساق بالتبعية !! لو كان ناصر بيننا هل كان ممكنا أن تتحول العروبة إلى لعنة والوحدة العربية إلى شعار مثير للحساسية .. لو كان الرجل الكبير ( وهو تعبير لايقال إلا بين أفراد العصابات وتجار المخدرات ) .. لو كان الرجل الكبير موجودا على الساحة العربية فهل كان من الممكن أن نعتنق دين الضعفاء ويصبح الفكر السياسى العربى فكرا مهادنا يترنح بين مراعاة نفوذ خارجية وبين التبعية والإلتزام باتجاهات وتيارات تهب علينا من خارج الحدود .. ويعيد ويزيد كاتب لولاكى هذا عن عظمة ذلك الرجل الذى استطاع أن يحقق النهضة فى مصر ويرتفع بمستوى التنمية بخطة فريدة لم تعتمد على أى مساعدات خارجية .. ولم يذكر لنا هذا الناصرى المغفل متى تخلصت مصر والعرب فى زمن عبد الناصر من التبعية والعجز .. وقد ذكرنا سابقا مظاهر التبعية الثقافية والسياسية والإقتصادية والأخلاقية فى زمن الشيوعية المعدلة ومنظمة الشباب وسيطرة الفكر الملحد وغير ذلك مما لاداعى إلى إعادته ، ولم يقل لنا أين ذهب أولى قروض المساعدات الخارجية التى تسلمتها حكومة الثورة وسرقها اسم النبى حارسه .. لم يقل لنا هذا الناصرى المغفل من الذى أوصل العرب الآن إلى تلك التبعية والخضوع والإنكسار غير نكبة 67 التى تجاوز أثرها المدمر سقوط القدس على يد الصليبين وسقوط بغداد على أيدى التتار وسقوط قرطبة على أيدى الصليبين أيضا .. لسبب بسيط هو أننا حينما انهزمنا أمام الصليبين فى القدس وقرطبة وأمام التتار فى العراق .. كنا نحن الأقوى عقائديا وفكريا .. ولذلك لم يكن أمام أعدائنا الصليبين بد من أمرين إما الذوبان أو الإرتداد وقد أذابهم الإسلام بسرعة .. أما حينما انهزمنا فى 67 .. كنا غارقين فى مفاوز التبعية والضياع والإنهيار الأخلاقى .. كنا مهزومين عقائديا وفكريا .. كنا نحاوب أعداءنا بالقومية العربية بعد استبعاد الإسلام والرابطة الإسلامية .. كنا نحارب أعداءنا ونساؤنا يرتدين المينى جيب والميكروجيب والهيلانكا التى كن يتراقصن بها أمام الزعيم فى احتفالات أعياد النصر الزائفة فى 56 .. إن هذا الكاتب المفغل أو المزيف المدلس .. يتحدث عن عودة عبد الناصر كما لو كان عبد الناصر قد تركنا وهو منتصر .. أو كما كان قد تركنا ونحن مستقلون ثقافيا واقتصاديا وسياسيا وحضاريا .. ويتحدث ناصرى آخر : لو كان عبد الناصر حيا لتقدمت قواتنا فى اكتوبر 73 لإحتلال المضايق .. سبحان الله .. عبد الناصر الذى أمر قواته مرتين بالإنسحاب الكامل من سيناء كلها وليس من المضايق .. يستغيث به الناصريون اليوم لتحرير المضايق .. أليست هذه مصيبة سوداء .. أن يوجد بيننا من يردد هذا الكلام الأهبل ؟؟ 


(( إن المأساة ( أيها السادة الكرام ) .. هى المعيار الحقيقى لليقين التاريخى الذى يمكن أن يقدمه البحث العلمى للتاريخ .. المأساة وليس التبرير والكذب والخداع هى وحدها التى تصنع المعرفة فى محك التجربة )) !! لقد قيل أن مأساة فلسطين فى 48 كان الدافع الذى انطلقت منه شرارة الثورة .. فلماذا بقى هؤلاء الأشاوس فى أماكنهم بعد مأساة فلسطين فى 67 .. ولماذا بقوا فى أماكنهم ولم يتركوا المجال لمن يثور عليهم ويثأر منهم !! 


^ ناصرى آخر من عينة الناصرى الأول .. يكتب فى صحيفة العربى الناصرى تحت عنوان (( عفوا : نكبتنا فى فلسطين .. ونكبتنا فى الحكام العرب .. يدلل فيه على طبيعة الزيف الناصرى فى تناول الأحداث وقراءة التاريخ .. ولولا طول مقالته لنقلتها كاملة .. لأنها تصلح فى رأي لدحض الفكر الناصرى كله .. بل هدم الأسس التى قام عليها .. واقرأوا معى ماذا قال : كأننا لم نتعلم شيئا من حرب 48 ( انتبهوا فالكاتب يتحدث عن 48 وليس عن 67 ) .. ونكبتها التى هزت الضمير العربى .. وأطاحت بالنظم والسياسات التى كانت موجودة وقتها .. ذات الأخطاء والخطايا تتكرر .. ذات الكوارث السياسية .. وربما خذافيرها .. ثم يقول فى الفقرة التالية .. (( فاجأت نكبة 48 )) العرب .. وكأنهم فى غيبوبة سياسية كاملة بلا معلومات عن العدو الذى وجدوه فى قلب المنطقة مدججا بالسلاح والعلاقات الدولية النافذة .. ثم يتحدث عن غياب التصور الإستراتيجى لإدارة الصراع .. إلى انعدام الكفاءة والجدية .. إلى العبث بالمصالح العليا للأمة .. ثم يتحدث فى فقرة لاحقة عن دخول الحرب ( حرب 48 وليس 67 ) حيث يقول : (( والأكثر مأساوية أن القوات المصرية صدرت لها الأوامر بدخول فلسطين يوم 12 مايو دون استعداد سابق أو تهيئة عسكرية أو تدريبات أو خرائط أو معلومات عن ميادين القتال والقوات التى سوف تواجهها إلى آخره )) .. والكاتب الناصرى المحترم لم يذكر سوى سطرين مبهمين عن نكسة 67 .. على الرغم من أن مقاله عن نكبة 48 تنطبق أكثر وأكثر على نكبة 67 .. فالجيوش فى 48 كانت تخضع للسيطرة الملكية الفاسدة والقوى الإستعمارية .. بينما كانت الجيوش فى 67 تخضع للقوى الثورية الوطنية .. وفى 48 قاتلت الجيوش جنبا إلى جنب مع المتطوعين والمجاهدين وأبلوا بلاء حسنا .. لولا الخيانات .. أما فى 67 فقد دمر الجيش فى الساعات الست الأولى دون أن يكون لديه أدنى استعداد أو خطة .. ولكن الكاتب الناصرى الذى يؤكد أن نكبة 48 أعلنت عن موت جيل كامل من الحكام العرب ودمغته بالوثائق التى تكشفت بأسوأ النعوت السياسية والشخصية .. لم يقل لنا هذا الكاتب الناصرى لماذا بقى جيل الحكام بالكامل بعد نكبة 67 .. ولماذا يحاول الناصريون اليوم احياء ذكرى الهزيمة والمهزومين فى صحفهم ومحافلهم .. بل الأخطر من ذلك لماذا يحاول الناصريون اليوم احياء ذات الفكر الذى أدى بنا إلى نكبة 67 !!


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، 






TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق


الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *