ناصر .. 2 !!




ناصر .. 2 !!



بقلم : محمد شعبان الموجي






^ محمود السعدنى .. مثله مثل كثير من الشيوعيين و الناصريين .. على استعداد تام للتضحية بأعز ما يملكه الرجل ( نقصد قفاه .. فشرف الرجل فى قفاه ) فى سبيل الإشراقات الثورية ( فى الفترة من 1959 إلى 1967 من ميلاد السيد المسيح ) .. وقد سبق له أن تغزل فى جلاديه ووصف أحدهم وهو الضابط الذى ( قفاه ) أى الذى ضرب قفاه .. بأنه واد حليوه وابن ناس .. ولاشك أن كل انسان حر فى قفاه بل وفى شرفه وعرضه ، وهو حر كذلك فى أن يقدمه قربانا على مذبح الإشراقات الثورية أو غيرها .. وإن كان المفترض فيمن يتصدى للكتابة أن يظل حريصا دائــــما على قفاه وشرفه لأسباب متعددة لامجال ذكرها هاهنا !!


^ غير أن منابر الدولة القومية .. سواء أكانت مسموعة أو مقرؤة أو مرئية .. يجب أن تكون بمنأى عن هؤلاء الذين يفرطون فى أعز ما يملكون .. سواء أكانوا من الكاتبات أم من الكتاب .. لأن القارىء فى النهاية يعتقد أن تلك المنابر هى المرأة التى تنعكس عليها كل آراء الدولة وعقيدتها .. أو على أقل تقدير يعتقد القارىء أن ثمة إشارة خضراء قد أعطيت لكاتب المقال لكى يسىء إلى رمز دينى أو مسئول سياسى مثلا بهدف التمهيد للتخلص منه ، أو من أجل تمرير فكرة معينة أو فتح الباب أمام موجة فكرية جديدة أو احياء موجه قديمة بهدف ملىء فراغ سياسى أو لمواجهة تيار سياسى آخر غير مرغوب فيه إلى آخر قائمة المآرب الحكومية المعروفة !! 


السعدنى هل أعطى الضوء الأخضر !! 


^ وهذا فى رأيي صحيح إلى حد كبير .. رغم مساحة الحرية التى منحت فى عهد السادات والتى مازلنا حتى يومنا هذا نعيش على ما تبقى منها .. رغم ذلك فإننى لا أظن أن ماكتبه محمود السعدنى فى المصور .. بإسلوب أقل ما يقال عنه أنه بذىء و قليل الأدب .. حول تصريحات مفتى الديار المصرية إلا بعد أن أعطى الضوء الأخضر .. أو شعر به من تلقاء نفسه أو وجد فى مناخ الفوضى الفكرية والأخلاقية ما يغريه على التطاول باسلوب وقح على رموز الدين و الإنقضاض على الرجل ، واغتياله إعلاميا عبر منبر قومى تملكه الدولة وتنفق عليه من أموال المسلمين !!


^ لقد أعلن فضيلة المفتى ( كما ورد على لسان السعدنى ) .. والذى كان ضابطا احتياطيا فى القوات المسلحة أثناء حرب اكتوبر .. أن نظام عبد الناصر كان نظاما ملحدا ، وأن الدولة فى ظله ابتعدت عن طريق الدين وخالفت الشرع .. وأننا لهذا قد هزمنا فى يونية 67 .. أما نصر اكتوبر فقد كان بسبب ايماننا وتمسكنا بديننا ، ولذلك وقف الله إلى جوارنا وعبرت الملائكة قناة السويس معنا وسبقتنا إلى سيناء !! 


فماذا علق محمود السعدنى على هذا الكلام ؟؟ .. لقد طالب أولا بوجوب محاكمة فضيلة المفتى أمام لجنة تحقيق من كبار العلماء ، وهو فى نظره أقل جزاء يستحقه فضيلته فى حال ثبوت هذا الكلام عليه .. أى أنه يطالب بمحاكمة المفتى بسبب عبارات قالها .. ولتسقط الأقنعة الزائفة عن الوجوه الغابرة التى صمت آذاننا بدعاوى حرية التعبير والرأى والإعتقاد .. ولتسقط حرية الكلمة التى هى المقدمة الأولى للديمقراطية كما كان يقول زعيمهم المعصوم .. ولماذا التعجب والدهشة .. أليس هذا هو ديدن الناصريين والعلمانيين .. ألم يحاكم أحد الشعراء فى تركيا ( مثلهم الأعلى ) ويحكم عليه بالسجن من أجل بيت من الشعر ؟؟ .. ألم تكن الكلمة الواحدة بل الحرف الواحد .. يذهب بصاحبه وراء الشمس فى العهد الناصرى البغيض .. بل إن محمود السعدنى نفسه قد اعتقل لسنوات طويلة من أجل مظروف يحوى رسالة حملها من الحزب الشيوعى العراقى إلى عبد الناصر وهو يجهل محتواها .. وفصل من عمله و دخل السجن وفقد أغلى وأعز مايملكه الرجال هو وكل أصحاب الرأى من الكتاب والصحفيين ورسامى الكاريكاتير ؟؟ 


السعدنى يشييد بالقضاء على مراكز القوة !!


^ والذى يقرأ لمحمود السعدنى الآن باسلوبه العنترى ودفاعه الأعمى عن زمن عبد الناصر .. لايصدق أنه هو نفسه الذى أرسل إلى ممدوح سالم خطابا نشره موسى صبرى فى ( وثائق 15 مايو ) يطلب فيه من الوزير الثائر .. العفو والصفح .. ويشيد فيه بالبطل أنور السادات ، وبعظمة ثورة مايو ( وليس ثورة يوليو ) .. ولنقرأ نص الخطاب لــــنعرف من هو محمود السعدنى ؟؟ 


سيدى الوزير الثائر 


أعتقد أن موقفى خلال التحقيق وأثناء المحاكمة يجعلنى أطمع فى أن أتوجه لسيادتكم برجاء أن يشملنى العفو العآم الذى سيصدر فى شهر يولية 1972 ، ويشرفنى بعد ذلك أن أعلن لسيادتكم تأييدى المطلق ؟؟؟ لكل الخطوات التى اتخذها سيادة رئيس الجمهورية ضد جميع ؟؟ مراكز القوة .. حيث أطاح بها فى ضربة واحدة موفقة ؟؟ بعد أن جثمت على أنفاس الشعب زمنا طويلا !! 


^ هذا هو نص الخطاب الذى أرسله الكاتب الشيوعى و الناصرى الثائر محمود السعدنى إلى ممدوح سالم .. يعترف فيه صراحة بأن مراكز القوة التى كانت تمثل الركيزة الأساسية فى حكم ناصر كتمت أنفاس المصريين زمنا طويلا .. ويشيد بثورة التصحيح التى قضى فيها السادات على الرؤوس الــناصرية الــــعفنة التى تآمرت علـــيه فى اصرار غريب منها على حرمان الشعب المصرى من الشعور بالكرامة والعزة وفى اصرار أشد على ألا تقوم لمصر قائمة كدولة لها سيادتها المتمثلة أساسا فى استقلالية مؤسسة الحكم عن كل صور الغوغائية والتآمر وشغل العصابات الإجرامية ... كما كان الحال فى عهد عبد الناصر .. الذى اكتشف تلك الحقيقة منذ أوائل الستينات فيما سمى وقتها بالإنقلاب السلمى .. ثم اكتشفها كذلك وبشكل أكثر فجاجة فى أعقاب الهــــــــزيمة المنكرة فى 67 ولات ساعة مندم !! 


سؤال حول قضية مسكوت عنها !! 


^ ومن هنا يبرز سؤال برىء عن قضية مسكوت عنها فى الجدل الدائر حول الناصرية .. أرجو من الأخوة الناصريين محاولة الإجابة عليه ولو فيما بينهم وبين أنفسهم .. لقد أجمعت الآراء وعلى رأسهم الرئيس عبد الناصر بأن الدولة حتى 67 كانت تحكمها عصابات حسب تعبير عبد الناصر نفسه .. وهذه العصابات كما هو معروف لم تنشأ فجأة فى السنوات الأخيرة لحكم عبد الناصر .. وإن كان قد استشرت فى تلك الفترة .. لكنها نشأت قبل ذلك بسنوات عديدة ترجع بها حسب قول المحللين إلى بداية الستينات أى بعد الخلاف الجذرى الذى قد نشأ بين ناصر وعامر وبالتحديد بعد الإنفصال عن سوريا وطلب عامر إعفائه من منصبه العسكرى .. ثم استجابة ناصر بقرار اجماعى لهذا الطلب ثم عدول المشير عن طلبه وبقاء الحال على ماهو عليه دون أن يصدر رسميا قرار الإعفاء .. ممثلا نموذجا فريدا فى الفوضى السياسية التى كانت تحكم بها مصر .. المهم أن الذين اكتشف ناصر خياناتهم بعد هزيمة 67 .. كانوا يمثلون البقية الباقية من رجال حكم ناصر .. إذ أنه كان قد تخلص كما هو متواتر من السابقين الأولين فى تنظيم الضباط الأحرار .. يعنى بالعربى ما عاد هناك لا سابقين أولين ولا لاحقين متأخرين .. السؤال هو من الذى بقى إذن من رجال ثورة يوليو بخلاف عبد الناصر .. يمارس الإشراقات الثورية وينظر للحلم القومى و المد الثورى وتطبيق الميثاق والإشتراكية وبيان 30 مارس ومشروعات الرخاء التى كانت تنتظر المصريين لولا تدخل القدر .. إننا نرجو من الأخوة الناصريين أن يخبرونا عن أسماء تلك النخبة الناصرية التى وكلها عبد الناصر لخوض معركة الكرامة ضد الرجعية والإستعمار و تطبيق المبادىء الناصرية العظيمة والأهداف العليا والمشروعات القومية العملاقة ؟؟ بعد أن اختزلت الثورة فى شخص جمال عبد الناصر .. هل كان بوسع عبد الناصر وحده أن يحقق كل تلك الأهداف .. فى الوقت الذى خانه فيه صحابته وحواريه وأقرب المقربين إليه من السابقين الأولين واللاحقين الأخيرين .. مجرد سؤال ؟؟ 


الناصرية والإسلام !!


^ نعود بعد ذلك إلى تصريحات فضيلة المفتى عن نظام حكم عبد الناصر .. والتى تدفعنا إلى طرح سؤال جوهرى فى هذا السياق .. هل اتسم نظام حكم عبد الناصر بالإلحاد والكفر والإبتعاد عن الدين فعلا .. أم أن الناصرية كانت وثيقة الصلة بالإسلام كما صرح المـــــــــفكر الإسلامى محمد عمارة ؟؟     


يمكن استخلاص الحكم على نظام حكم ما من خلال التعرف على طبيعة الأفكار والعقائد والتصورات السائدة فى المجتمع .. من خلال منظومة الفنون والثقافة والتعليم والإعلام التى ينتهجها نظام الحكم من خلال المنابر القومية التى يسيطر عليها بشكل فعلى .. مع الأخذ فى الإعتبار أنه فى الغرب تكون مثل تلك المنابر القومية و الرسمية تعبيرا حقيقيا ودقيقا عن المجتمع ذاته بشرائحه المتعددة .. أما فى الشرق عموما وفى بلاد المسلمين على وجه الخصوص .. فإن تلك المنابر الفنية والثقافية والتعليمية والإعلامية تخضع فى الغالب لسياسة نخبوية موجهة تستهدف تعليم الشعب وتعويده ( باعتباره قاصرا ) على تقبل مثل تلك الفنون والثقافات .. حتى يستقيم المجتمع مع الأيدلوجيات والأفكار التى يطرحها نظام الحكم لاسيما فى أعقاب الثورات الشاملة .. أى أن مهمة القائمين عليها ليس تعليم الشعب العلم والثقافة فحسب .. بل تعليمه الأدب فى أحيان .. وقلة الأدب فى أحيان أخرى كثيرة .. أو بمعنى آخر تكون مهمة تلك المنابر تغيير عقيدة الشعب وتصوراته وأفكاره وموازينه بحيث تصبح متطابقة مع عقيدة النخبة الحاكمة وأيدلوجيتها ؟؟ 


فما هى طبيعة الفنون والثقافة والتعليم والإعلام التى كانت منتشرة فى فترة المد الثورى من ( 1961 إلى 1967 ) ومازالت هى المسيطرة حتى يومنا هذا ؟؟ 






^ فى الفنون .. لايختلف اثنان على أن تلك المرحلة الناصرية اتسمت بالوساخة الأخلاقية .. ويكفى أن إباحية الفن فى صوره المتعددة فى تلك الفترة صارت من السمات المميزة لتلك الفنون .. ويكفى مثلا أن تشاهد أى فيلم من أفلام الستينيات حتى تدرك بالبصر قبل البصيرة طبيعة تلك الأخلاقيات التى سادت أوساط النخبة الحاكمة فى ذلك الوقت .. وهى النخبة التى كانت تسيطر على كل وسائل الإعلام والإعلان والصحافة والسينما والمسرح حتى الخطابات الشخصية .. وبالتالى فلا مجال للقول بأن الخصصة وأطماع المستثمرين هى السبب .. فالفساد الإخلاقى كان للأسف الشديد هو السمة المميزة لأخلاقيات الـنخبة الحاكمة .. والتى انعكست بدورها على قطاعات واسعة من الشعب وخآصة الشباب والفتيات فانتشرت الملابس العارية والخليعة وصار الميكرو جيب هو الزى الرسمى للسيدات والفتيات .. وشاع الإختلاط الفاحش بين الفتيات والفتيان .. وصار من السهل على أى عامل أو فلاح أو طالب العلم أن يرى الإشراقات الثورية الداخلية والشفافة لزميلته وجارته فى الشارع والجامعة والمصنع دون أدنى مجهود .. وفشل عبد الناصر أو لم يحاول من الأساس فرض زى قومى يتماشى مع أخلاقيات وشرائع و عادات المسلمين أو العرب .. بل سادت كل الموضات الغربية والصهيونية والإمبريالية عبر أجهزة الإعلام ومنابر الصحافة القومية .. مع أنه كان يفرض كل شىء !! 


^ وفى المجال الثقافى الذى لايبعد كثيرا عن المجال الفنى .. يقول العلامة أبو الحسن الندوى فى كتابه ( الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة العربية ) : (( استمر تدفق الثقافة الأجنبية ، ولم تزل الدعوة إلى التغريب والفلسفات الغربية المادية التى ترد إلى البلاد من الخارج ، وتطوع لنشرها وشرحها كبار الأدباء والكتاب فى البلد ، تعمل عملها الطبيعى فى أذهان الناس وتلتهمها الطبقة الجامعية المثقفة والشباب الناشىء والضباط فى الجيش وكل ثائر على الأوضاع الفاسدة السائدة التى لاتطاق ، وتظهر فى هذه الأغراض كتب ومؤلفات يقرؤها الشبان عند المراهقة الفكرية فيسيغونها وتصبح جزءا من فكرتهم وعقيدتهم ومطامحهم فى الحياة ، وينظرون إلى هذه الفلسفات كالطريق الوحيد للنهضة بالبلاد ومجاراة الدول والأقطار الحرة الراقية ، وتعجز المعارف ووسائل التربية والتوجيه والأدب المقبول عن أن تخلق فى هؤلاء تفكيرا أسمى وطموحا أبعد من هذه الخطط التقليدية المرسومة المرددة فى كل بلد ، والتى سبق إليها كمال أتاتورك ، وتحققت له الزعامة فى حركة التغريب ، وتطوير البلاد والمجتمع والعقلية من الأساس الإسلامى الإيمانى إلى الأساس الغربى المادى ، فيحاولون تقليدها وتطبيقها فى بلادهم باختلاف نوع القومية ، وبزيادة الإشتراكية التى لم تبلغ فى عصر أتاتورك هذا الطور الواضح المتميز القوى ، ولم تكسب هذه السيطرة وهذا السحر على العقول والأفكار ، لم يبق لهذه الطبقة إلا أن تتولى القيادة وتجـــــد فرصة لتطبيق مخططها الفكرى ‍‍ !! 


^ ويقول كذلك : (( قدمت القومية العربية لا على اعتبار نسبتها للإسلام ، ولكن باعتبارها دين جديد وعقيدة جديدة تنسخ الدين الإسلامى والعقيدة الإسلامية .. وشجعت النخبة الحاكمة الكتاب والشعراء والأدباء على ذلك الإتجاه .. وجعلوها الهدف الأسمى الذى يتغنى به الجميع .. وأصبح العرب والعروبة تشارك الله فى العزة والكرامة ..فيقول القائلون : (( العزة لله وللعرب )) ويرحبون بكل من يغلو فى ذلك ويبالغ .. ولو وصل إلى الكفر وخرج من الإسلام ، ويشجعون على ذلك بالجوائز والصلات وأنواع التحبيذ وأساليب التحسين ، وأرخو العنان للكتاب والصحفيين يسترسلون فى ذلك ما شاؤوا ،وسمحوا للصحف أن تستهزىء بالدين وشعائره ومقدساته ، وتنتهك الحرمات ، وتنشر فى المجتمع الخلاعة والإستهتار والميوعة ولم يزدها التأميم إلا خبالا وإسرافا فى نشر الصور العارية الخليعة ، والروايات الماجنة والقصص الغرامية ، وأخبار الحوادث المثيرة للغريزة الجنسية والإجرام ، حتى يتطور المجتمع وتتطور العقلية ، وتأخذ لونها المادى ، وطابعها الإشتراكى !! واتخذوا من تطوير المجتمع خطوات ايجابية أخرى ، كتطوير الأزهر ، وإلغاء المحاكم الشرعية ، والقضاء الشرعى والوقف الشرعى ، ومن التعليم المختلط والعناية الزائدة بالبرامج الثقافية والرقص والغناء !! 


TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق


الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *