الإسلام السياسى خصوصية خاطئة ... ( 7 )





^ من المؤكد أن جماعات الإسلام السياسى سيثيرون العديد من الأسئلة فى مواجهة ما كتبناه عن الظاهرة .. سيقولون مثلا أن كنت تزعم من خلال ما قدمت من رؤية المفكر الهندى (( وحيد الدين خآن )) ، والتى يفرق فيها بين المقتضيات الحقيقية للدين والتى تمثل جوهر الدين منذ آدم عليه السلام وحتى يوم القيامة .. والتى لاتتوقف فى أدائها أوالقيام بها على أى من الظروف والأحوال والموانع ولا يمكن تأجيلها لحين قيام دولة إسلامية أو خلافة راشدة أو حكومة مؤمنة .. وبين المقتضيات أو الواجبات الإضافية المقيدة بظهور الأسباب وتوافر الشروط وانتفاء الموانع الشرعية .. إذا كنت تزعم أن تشكيل جماعات تهدف إلى إقالة الحكومة الكافرة أو المنحرفة التى لاتلتزم بأحكام الإسلام و العمل على خلق تلك الكيانات الإسلامية أمر مرفوض فى ظل إحتمالات كثيرة وشبه مؤكدة لوقوع فتنة فى المجتمع .. فإن هذا ينطبق بالتأكيد على جماعات العنف والإرهاب .. لكنننا نختلف كثيرا عن تلك الجماعات المسلحة .. حيث نعمل على إقالة الحكومة المنحرفة وإقامة الحكومة المؤمنة عن طريق الآليات الديمقراطية والسياسية والحزبية المتاحة للمسلم والنصرانى والمؤمن والملحد والصالح والطالح .. وهو ما ينفى حكاية الفتنة تلك التى تحدثت عنها !! 






وثانيا : إذا كنت تزعم أن إقامة الحكومة الإسلامية والإمامة العظمى .. يتوقف من الناحية الأصولية على ( السبب ) الذى حدده وحيد الدين خآن .. وهو ظهور مجتمع ايمانى .. مثل مجتمع المدينة .. أو مجتمع سمعنا وأطعنا .. ثم زعمت ضرورة توافر الشرط الذى حدده أيضا وحيد الدين خآن من ضرورة وجود مركز اجتماعى حر لذلك المجتمع .. حتى نستطيع بعد ذلك كما تقول .. إقامة واجب الإمامة والحكومة حتى لانكون مقصرين فى أداء واجبنا الشرعى .. لاسيما وأن آليات الديمقراطية والحزبية تعطى الجميع كما قلنا حرية تداول السلطة .. فلماذا لانستثمر تلك الآلية فى تطبيق أحكام الشريعة وإضفاء الطابع الإسلآمى والتصورات الإسلامية على مجتمعاتنا .. خصوصا وأن الغالبية العظمى من شعوبنا تتمنى هذا اليوم الذى يتم فيه تحكيم الشرع فى كل أوجه الحياة !! 






ثم أليس فى تطبيق أحكام الشريعة وإقامة الحكومة الإسلامية .. عونا للناس على الطاعة والإلتزام ، وتقوية العلاقة مع الله وترسيخ مفاهيم الآخرة التى تحدثت عنها كثيرا ، وقدمتها كحيثية اساسية وهدف نهائيا للدين !! 






^ سأقطع الطريق على كل تلك التساؤلات وسأفترض جدلا أن جماعة إسلامية ما استطاعت الإستيلاء على الحكم فى بلد ما عن طريق القوة المسلحة .. أو استطاعت الوصول إلى الحكم عن طريق الآليات الديمقراطية .. السؤال هو : هل ستستطيع تلك الجماعة إقامة خلافة راشدة !! وهل ستتمكن من خلق ذلك المجتمع الإيمانى المرسومة صورته بدقة فى القرآن الكريم .. مجتمع سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير !! 






وهل ستنجح تلك الجماعة أيضا فى القيام بواجبات التمكين فى الأرض والتى حددتها الآية الكريمة { الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالكعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور } 






^ تعالوا وقبل الإجابة على كل تلك التساؤلات أن نطرح تساؤلات أخرى هامة .. هل استطاعت حركة الإسلام السياسى بمختلف روافدها المسلحة وغير المسلحة .. أن تحقق فيما بينها وبين أنفسها ، وفيما بينها وبين الناس .. الحقائق الإيمانية والأخلاق القرآنية الربانية .. هل ظهرت عليها آثار الإيمان كما أخبرنا القرآن وكما كان الحال فى الجماعة الإيمانية الأولى فى صدر الإسلام ؟؟ 






ربما يقول قائل محاولا قطع الطريق علينا .. إن المبادىء والأيدلوجيات شىء ، والفشل التطبيقى شىء آخر .. (( والأنسان كائنا من كان لايسلم من خطأ )) ؟؟ 






يقول وحيد الدين خآن معلقا على تلك المقولة : (( هذه حقيقة ، ولكنها فى غير موضعها ، والصواب أن يقال فى هذا الصدد : (( النتائج دليل صريح على خطأ النظرية )) .. صحيح أن من يعتنق نظرية لايستلزم أن تظهر فيه المقتضيات العملية ، ولكن هذا بالنسبة إلى من يعتنقونها فى وقت متأخر .. أما ( السابقون الأولون ) فى الجماعة فهو غير صحيح ، لأن الحركة فى بدايتها لا تتمتع إلا بالقالب النظرى الخالص فلا يبادر إلى اعتناقها إلا من تأثر بها تأثرا عميقا حتى أنه يكذب أفكاره السابقة فى سبيلها ، فهو يقبل بعد ذلك حياة جديدة بإرادته معرضا عن حياته السابقة .. أما إذا بلغت الحركة مستوى الغلبة فإنها بذلك تبدأ فى مرحلتها الثانية ، فيدعم قالبها النظرى هذا التوجه السياسى ، وهذه المصلحة الإقتصادية والرأى العآم ، وكثير من الناس يقبلون عليها لأجل ذلك ، فهم لاينضمون إليها بحكم انقلاب فكرى داخلى ، بل إنهم يتظاهرون بالموافقة لأجل مصالح مؤقتة )) !! 






ولذلك فوحيد الدين خآن يرى أن الحكم على صحة أى نظرية أو فكره ينبغى أن يكون بالنظر إلى واقع القسم الأول المؤسس لتلك الحركة صاحبة النظرية أو الفكرة .. دون النظر إلى واقع القسم الثانى ؟؟ 






ويستفاد من هذا الكلام أيضا .. الوقوف على خطورة الخطأ الفكرى الذى غير من فلسفة الدين و الذى وقعت فيه جماعات الإسلام السياسى حينما تعجلت واعتمدت فى تشكيل نخبتها الأولى على المؤلفة قلوبهم الذين يهرعون إلى تأييد التيار الإسلامى الذى سيوفر لهم البرامج الدنيوية النافعة .. وتوفر لهم كذلك الفرصة فى الحصول على تليفزيون أو بوتاجاز أو فيديو أو شاليه على الساحل الشمالى .. أو الذين يتشوقون إلى ذلك المشروع الحضارى الذى سيقفز بالمسلمين إلى السيطرة على العالم أجمع وفرض وصايتهم عليه .. وتحقيق قفزات تكنولوجيا واسعة ترجح معها كفة المسلمين .. مع أن الشيخ سيد قطب رحمه الله قد أوضح فى كتابه البديع ( معالم على الطريق )) أن ذلك أمر مستحيل ومستبعد حيث يقول رحمه الله (( إن هذه الأمة لاتملك الآن وليس مطلوبا منها ؟؟؟؟؟ أن تقدم للبشرية تفوقا خارقا فى الإبداع المادى يحنى لها الرقاب ، ويفرض قيادتها العالمية من هذه الزاوية .. فالعبقرية الأوربية قد سبقته فى هذا المضمار سبقا واسعا .. وليس من المنتظر - خلال عدة قرون - على الأقل التفوق المادى عليها ؟؟ فلا بد إذن من مؤهل آخر ؟؟ المؤهل الذى تفتقده هذه الحضارة ؟؟ ولن يكون هذا المؤهل سوى ( العقيدة ) و( المنهج ) الذى يسمح للبشرية أن تحتفظ بنتاج عبقريتها المادية ؟؟  






^ إن هذا الإستدراك المهم .. يؤكد على مدى الخطأ القاتل الذى وقعت فيه جماعات الإسلام السياسى .. حينما استعجلت الأمور فلوثت نخبتها بالمؤلفة قلوبهم و الدنيويين والمنافقين قبل أن يكتمل البناء النخبوى .. أو إن شئت قلت أن الطبيعة الدنيوية ( العلمانية ) لفكر الإسلام السياسى وارتفاع نبرة الخطاب الدنيوى على نبرة الخطاب الأخروى .. هو الذى أدى إلى عدم ظهور النتائج المنتظرة ؟؟ 






ومن ثم نستطيع أن نقول إن محاكمة واقع الحركات الإسلامية المعاصرة يبقى فى غآية الأهمية للحكم على سلامة وصحة الأفكار والنظرة التفسيرية الخاطئة التى تقدم بها جماعات الإسلام السياسى الإسلام للناس والتى جعلت الدين عنوانا للدنيا وليس عنوانا على الآخرة ؟؟ 






واقع ( جماعات الإسلام السياسى ) المؤلم ؟؟ 






^ قبل أن أتحدث عن واقع جماعات الإسلام السياسى الذى أسفرت عنه تلك التفسيرات السياسية لكل أجزاء الدين .. أود أن أضرب مثالا توضيحيا لأولئك الذين لم يدركوا حتى الآن ما أردنا قوله عن تلك الخصوصية الخاطئة التى فندها وحيد الدين خآن وعلقنا عليها !! 






^ يمكننا تشبيه الإيمان بالله والتعلق بمفاهيم الآخرة والزهد فى زينة الحياة الدينا .. ببئر عميق يتدفق منه الماء الذى به يحيا الإنسان حياة إيمانية حقيقية ؟؟ 






والمفروض أن يظل الإنسان يحفر ويعمق فى قاع هذا البئر بكل ماوسعه من جهد ومصابرة وعبادة وتضرع ورياضة روحية وإرادة ذاتية صلبة حتى يصل فى النهاية إلى تدفق إيمانى طبيعى وحقيقى للماء من أعماق البئر ؟؟ 






الأعراب مثلا قالوا آمنا .. أى زعموا أن ماء الإيمان قد تدفق بشكل طبيعى من أعماق نفوسهم .. لكن الله عزوجل أخبرهم أن أقوالهم وأفعالهم ومظهرهم الخارجى ليس إلا مجرد محاولات للوصول إلى النبع الحقيقى للإيمان .. وأخبرهم بأن الذى فعلوه لايعدو أن يكون إلا محاولة لملىء البئر بالماء من مصدر خارجى .. ثم التوهم بعد ذلك أن هذا الماء نبع طبيعى من الأعماق .. لذلك أمرهم الله أن يقولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان فى قلوبهم بعد .. لأن إتيان بعض الفرائض وأداء بعض العبادات والتزيى بزى أهل الإيمان لايعنى مطلقا الوصول إلى حقيقة الإيمان !! 






^ إن استحضار مياه خارجية حتى وإن كان لها نفس المواصفات الشكلية لماء البئر .. لايعنى أن نبع هذا البئر صار حقيقيا .. أو أن تلك المياه تتحقق فيها المواصفات الحقيقية المطابقة لمواصفات ماء البئر المتدفق من أعماقه .. لأن تلك المياه ما تأسن ويتغير طعمها وريحها أو تتبخر فينضب البئر ويمرض الشاربون منه !! 






^ وهذا هو ما حدث بالضبط مع جماعات الإسلام السياسى التى لم ينجح كثير من المنتمين إليها من الوصول إلى حقيقة الإيمان التى تدفع صاحبها إلى شعور حقيقى بتفاهة تلك الحياة الدنيا ، والزهد فى الإستهلاك من زينتها .. وبمعايشة حقائق اليوم الآخر و التى ينعكس أثره على كآفة مظاهر الحياة من حولهم وتفرض على باقى البشر المحيطين بتلك النخبة الربانية حالة من الإعجاب اللآإرادى أو الإيمان المكتوم بصدق ومطايقة الأقوال بالأفعال .. ولذلك فقد نبه القرآن الكريم كثيرا جدا على ضرورة عدم الإنتفاع المادى من أهل الدعوة .. يقول تعالى : { وماأسألكم عليه من أجر إن أجرى إلا على رب العالمين } 109 / الشعراء ، ويقول تعالى { اتبعوا من لايسألكم أجرا وهم مهتدون } 21 / يس ، ولذلك فإن جماعات الإسلام السياسى فقدت كثيرا من رصيدها الشعبى حينما أساء قادتها فى بعض النقابات والأحزاب التصرف فى الأموال التى استودعت عليها ، وخسرت كذلك كثيرا بعض قضايا شركات التوظيف ووقوف بعض القيادات الدينية خلف تلك الشركات .. فى المقابل لم نعد نسمع أو نرى ظهور نماذج من الدعاة الذين ينفقون من أموالهم فى سبيل الدعوة .. على غرار ما يروون لنا قى خطبهم من حكايات عن زهد السلف الصالح وتعففهم عن الإستفادة ولو بشق تمرة من الدعوة إلى الله .. لم نعد نسمع كذلك عن العالم الزاهد .. وإنما لدينا للأسف الشديد نماذج كثيرة من العالم التاجر أو رجل الأعمال الذى يحدث الناس عن الحل الإسلامى فى علاج الفقر .. بينما تراه يسكن القصور ويمتلك السيارات الفاخرة وكل متع الحياة التى يقول لنا فى خطبه أنه فانيه .. وهذا العالم الأنيق الذى يحدثنا عن عذاب القبر حتى يبكينا ثم يراه الباكون وهو يركب الزلمكة ويتحدث من المحمول .. فإذا تحدثت إليه عن ذلك أخبرك بأن النبى صلى الله عليه وسلم لو عاش فى عصرنا هذا لفعل مثلما يفعل ولتمتع بالحياة كما يتمتع .. ونسى هذا العالم أن النبى صلى الله عليه وسلم قد عرضت عليه كنوز الدنيا فأبى إلا الآخرة ، وأن عشرات بل مئات الآيات تكذب دعواه تلك !! 






^ إن أمثال هؤلاء كما يقول وحيد الدين خآن : (( يظلون غافلين عن أنفسهم ، وفى المقابل لايملون من مناقشة مشاكل العالم ؟؟؟ إنهم لايرغبون فى إقامة الصلوات ( بالمعنى النفسى والروحانى وربما بالمعنى المادى لإنشغالهم بالإجتماعات والمؤتمرات ) ولكنهم يهتفون بنداءات إقامة الحكومة الإلهية ... الفراغ موجود فى حياتهم لكنهم يعملون من أجل سد الفراغ الموجود فى نظام العالم ؟؟ فى بيوتهم القوامين عليها يقلدون المترفين من الزعماء الدنيويين ؟؟ بينما يريدون أن يكونوا قوامين على العالم ليطهروه من الزعماء الدنيويين ؟؟ قلوبهم غافلة عن ذكر الله .. لكنهم يقترحون برامج للسيطرة على محطات الإذاعة ليبثوا عبرها ذكر الله فى أنحاء العالم ؟؟ ويخفقون فى أداء مسئولياتهم الشخصية وفقا لضوابط خآصة .. وفى جعبتهم عشرات الضوابط لإصلاح الأنظمة بدءا من نظام الدولة إلى منظمة الأمم المتحدة ؟؟ وإذا شاهدت خطبهم ومقالاتهم وهى تطالعك على الجرائد فيبدو لك أنهم يعملون على حل كل قضية تتصل بالأمة من قريب أو بعيد .. لكنك حين تعاينهم عن قرب تعرف أن هذه الحرقة ليس إلا تعزية رسمية ليس إلا .. لكى لا يشكو أهل البيت منهم ؟؟ إنهم يعيشون حياة سطحية وغير مسئولة فى الدائرة المتاحة لهم .. غير أن الأمر يختلف تماما حين يعرضون عليك خططهم المستقبلية التى سيطبقونها بعد نجاح الإنقلاب .. إنهم يضعون لها البرامج والمخططات حتى تحسب أن الخلافة الراشدة ستعود من جديد ؟!! صرفت الأنظار عن الأهداف الحقيقية للدين وتوجهت كآفة الجهود للحصول على السلطة وتنفيذ القوانين الإسلامية ( على الآخرين ) .. تلك هى النفسية التى نشأت عند أصحاب هذا التفسير السياسى للدين )) . 






والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، 






بقلم : محمد شعبان الموجى
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق


الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *