^ قالوا للحرامى احلف قال جاءك الفرج .. وقديما قال الشاعر : ماخلق الله مسجونا تساءله عن سجنه إلا وقال مظلوم .. وكثير من الذين يلجأون إلى القضاء ليحكم بينهم يعتقدون أنهم على حق دائما .. وأكثر الناس لايرضون بأحكام القضاء إلا إذا حكم القضاء لصالحهم .. وتلك الخصيصة من صفات المنافقين ( الذين إذا اعطوا منها رضوا وإذا لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ) .. واليهود لعنة الله عليهم وعلى من اقتفى أثرهم .. لجأوا يوما من الأيام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقضى بينهم فى قضية زنا .. فقالوا فيما بينهم : تعالوا نتحاكم إلى محمد فإن حكم بالجلد والتحميم فخذوا عنه ، واجعلوه حجة بينكم وبين الله وإن حكم بالرجم فلا تتبعوه ؟؟
^ ولذلك نرفض أن تتحول الصحافة إلى قضاء أخر مواز لقضاء المحاكم .. وربما ينافسه ويصادر أحكامه أمام الرأى العآم .. ويلجأ إليها أصحاب الأهواء والأغراض بحثا عن حقوق متوهمه أو نكاية فى أصحاب الحقوق .. مما يضعف من هيبة القضاء ويؤثر سلبيا على مسيرة العدالة .. ولهذا نؤيد بشدة تلك العبارات التى جاءت فى بيان مجلس إدارة نادى القضاة إن كان يعالج هذا الجانب السلبى من علاقة الصحافة بالقضاء .. ولكن البيان للأسف الشديد يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير .. ومن هنا فإننا سنحاول مناقشة تلك التصريحات الخطيرة التى وردت فى البيان والتى أهاب فيها مجلس إدارة نادى القضاة .. بالمسؤلين والقائمين على شئون الصحافة والإعلام الإلتزام بنصوص الدستور والقانون التى حظرت التعرض للدعاوى المطروحة على القضاء أو لأحكامه قبل انتهاء الخصومة !!
وقد حدد البيان طبيعة العلاقة التى يجب أن تسود بين الصحافة وبين الأحكام القضائية النهائية ( من وجهة نظر نادى القضاة بالطبع ) تحديدا صارما .. حينما حرم على الصحافة مناقشة الأحكام القضائية تحريما شاملا .. بينما أجاز فقط للمتخصصين القانونيين نقد الأحكام الباتة وتحليلها بإسلوب علمى وفى اطار مايتم مناقشته فى نواديهم ومقارهم .. بمعنى أنه حرم على الصحافة كل شىء حتى نشر مقالات المتخصصين القانونيين .. وحتى لو تم ذلك فى إطار علمى بعيدا عن أساليب المهاترات الصحفية .. ورغم كل هذا التشدد الذى سحب البساط من تحت أقدام سلطة الصحافة .. إلا أن بيان نادى القضاة أكد أنه لايغل يد الصحافة لاسمح االله عن المادة الإخبارية !!
^ ولعلنا نلتزم العذر كما قلنا لهذا التشدد فى بيان نادى القضاة .. إذا علمنا أن الدافع وراء اصدار هذا البيان هو الشكوى التى نشرتها جريدة أخبار اليوم للمستشار السابق سعيد العشماوى حول قضية شخصية مازالت منظورة أمام القضاء .. مما يفتح الباب على مصراعيه أمام كل المتقاضين إلى تدبيج المقالات وتبادل الإتهامات فى الدعاوى المنظورة أمام القضاء خارج ساحاته .. مما يعنى أننا بذلك - وحسب تعبير المستشار وزير العدل - نكون قد نصبنا أنفسنا حكما فيها وأثرنا على قضاتها ، وتدخلنا فى شئون العدالة .. وهو الأمر المحظور والمؤثم قانونا .. فضلا عن مجافاته لتقاليدنا القضائية التى نحرص عليها ونستمسك بها أشد التمسك !!
^ ولكن أهم مايؤخذ على هذا البيان وتلك التصريحات عدة أمور :
أولا : أنها جاءت متأخرة كثيرة جدا .. مما يعطينا الحق فى أن نتساءل .. وأين كان السادة أعضاء نادى هيئة القضاء حينما أصدرت وزارة الإعلام بيانا أذاعه الراديو والتليفزيون حول قضية الدكتور نصر أبو زيد معلنة فيه أن فريقا من القانونيين بصدد البحث عن طرق قانونية للخروج من هذا المأزق .. أى مأزق الحكم على ( أبو زيد ) بالتطليق بإعتباره مرتدا عن الإسلام .. فيما يمكن اعتباره احتجاج شبه رسمى على حكم أصدرته محكمة استئناف .. مما يعد بكل تأكيد تدخلا سافرا فى شئون العدالة .. ومحاولة للتأثير على القضاة .. وأين كان هؤلاء السادة الأفاضل من بعض الصحف القومية التى شنت حملة شعواء ضد بعض الأحكام التى صدرت ضد إباحيين وشيوعيين وملحدين واصفة أحكام النقض بأنها خناجر !!
ثانيا : رغم أن البيان قد لمس طرفا هاما من أطراف الحفاظ على قدسية وهيبة القضاء .. إلا أنه جاء قاصرا عن مناقشة أطراف أخرى ربما أكثر أهمية وأشد تأثيرا على استقلالية القضاء .. فقد كان الأجدى والأكثر تأثيرا مخاطبة بيان النادى لكثير من السادة القضاة الذين أدمنوا الكتابة فى الصحف والتعبير عن اتجاهاتهم الأيدلوجية وانحيازاتهم الفكرية .. مع أنهم مازالوا فى الخدمة ، بل إن بعضهم يكتب فى تلك الصحف أحيانا مسفها بعض الإتجاهات الفكرية ، شارحا فى أحيان أخرى كثيرة أسباب الحكم الذى أصدره فى قضية ما وحيثياته ، وكان الأجدى والأكثر نفعا مخاطبة أولئك الذين يحيطون أنفسهم بهالة إعلامية وصحفية .. حتى أن بعض هؤلاء السادة القضاة .. يسمح بدخول كاميرات الفيديو وعدسات التصوير .. (( ولعلنا نذكر فى هذا الصدد أن دولة مثل أمريكا تمنع حتى يومنا هذا مثل تلك الأمور )) .. وهو مايعنى أن السادة القضاة هم الذين يسعون فى أحيان كثيرة إلى الصحافة ، وإلى فتح أبواب الجدل الصحفى حول بعض الأحكام القضائية غير النهائية ، ولذلك فقد كان من باب أولى أن يتوجه بيان نادى القضاة إلى التشديد على القضاة أنفسهم وعلى منع مثل تلك الأمور ، فالقاضى يجب أن يكون بمنأى عن كشف شخصيته إلا فى حالات خآصة .. بل الأدهى من ذلك والأمر أن بعض السادة القضاة يكشفون عن شخصياتهم فى دوائر اجتماعية كثيرة بلا مقتض أو ضرورة .. ونأمل من السادة المسئولين عن نادى القضاة تبنى هذه القضية ، ومنع تعليق شارات القضاء مثلا على زجاج السيارات لأن ذلك من شأنه أن يخلق حساسية شديدة الخطر فى التعامل مع السادة القضاء وذويهم على الأقل أمام أحكام قانون المرور حيث يجد ضابط المرور ناهيك عن الجندى نفسه فى حرج شديد ، ويؤدى فى كثير من الأحيان إلا خلق استثناءات فى مجالات أخرى كثيرة لاحدود لها تؤدى بدورها إلى ما يمكن تسميته بديكتاتورية القضاه !!
^ وإذا كان بيان نادى القضاة قد حرص على استقلالية القضاء .. فإنه كان ينبغى أن يتضمن كذلك الدعوة إلى استقلال النيابة العآمة استقلالا كاملا عن السلطة التنفيذية وعن سلطة السيد وزير العدل بشكل خآص .. بإعتبار أن النيابة العآمة جزء لا يتجزأ من السلطة القضائية .. بل هى المفتاح الأساسى لتحقيق دولاب العدالة .. وفى أحيان كثيرة تكون هى المفتاح الوحيد .. وبحيث يستشعر الرأى العام أن مواقف النيابة فى معزل دائما وفى مأمن من التأثر بالتعليمات العليا وسياسة الحكومة !!
^ وإذا كان هدف بيان نادى القضاة هو الحفاظ على قدسية واستقلالية القضاء .. فيجب أن يتبنى النادى إعادة النظر فى المصدر الأساسى لتمويل صندوق القضاة .. والذى يعتمد على فرض رسوم قضائية باهظة على المتاقاضين فى قضايا مالية وتجارية .. وقد سبق للسيد مصطفى كامل مراد زعيم حزب الأحرار التعرض لتلك القضية .. وكتب فيها أيضا الأستاذ أحمد رجب .. وسبق أن نبهنا إلى خطورة فرض مثل تلك الرسوم .. وقلت يومها أن فرض مثل تلك الرسوم القضائية التى يذهب جزء منها إلى صندوق القضاة .. يعتبر عورة قضائية يجب سترها فى أسرع وقت ممكن .. ولكى ندرك خطورة هذا الأمر .. أحكى لكم قصة واقعية من آلاف القصص التى تقع كل يوم ..فقد شاهدت رأى العين وعاينت بنفسى ما وقع من أحداثها .. حين حكمت احدى محاكم الإستئناف على أحد المتخاصمين بتعويض قدره ( ثمانون ألف جنيه ) .. هى قيمة ما طلبه بالضبط الطرف المدعى بالحق المدنى !! .. ونتج عن هذا الحكم إعسار المدعى عليه والذى لو باع العقار المتنازع على جزء منه ما وفى به !! .. ماعلينا .. المهم أن هذا المدعى عليه أو المحكوم ضده بالتعويض فوجىء بحكم آخر يفرض عليه دفع مبلغ وقدره ستة آلاف جنيه .. منها حوالى ألفين جنيه لصندوق القضاة ، والباقى رسوم للمحكمة .. فأخذ الرجل يضرب أخماسا فى أسداس .. إذ كيف يعاقب و يحكم عليه فى قضية واحدة مرتين .. مرة لصالح المدعى بالحق المدنى ، ومرة أخرى لصندوق السادة القضاة والمحكمة ؟؟ هل من العدل ياسادة ياكرام أن يحكم فى قضية مرتين ؟؟ وهل من العدل ياسادة ياكرام يامن تتحدثون عن استقلالية القضاة أن يستفيد القاضى بشكل شبه مباشر من قضاء قضاه بين متخاصمين ؟؟ هل هذا من التقاليد القضائية التى نحرص عليها !!
^ الأسوأ من ذلك كله .. والشىء المحزن حقا .. هو الطريقة المتعسفة التى يتم بها تنفيذ تلك الأحكام الخآصة بدفع رسم صندوق القضاة ورسم المحكمة .. فقد فوجىءالرجل المحكوم ضده بالتعويض .. بقلم المحضرين يحجز على عفش بيته وكان من ضمن هذا العفش عدد ( 2 ) مرتبة ؟؟ أى والله العظيم .. وبيعت ( المراتب ) وحجرة نوم الشيخ الطاعن فى السن بالفعل وبلا أدنى تقدير لأى معنى من معانى الإنسانية .. لينعم السادة القضاة بزيادة دخل الصندوق .. وأما الأكثر سوءا فهو ذلك التعنت الشديد فى رفض كل ( دعاوى استرداد ) تلك الأشياء التى حجز عليها بطرق الخطأ .. كالتى تكون فى حيازة المحكوم ضده ولكنها ملك لغيره .. ويعجز صاحب تلك الممتلكات عن اثبات حقه فيها اللهم إلا ما كان موثق فى الشهر العقارى .. مع العلم بأن أكثر الزوجات والأبناء الذين يسكنون مع أزواجهم وآبائهم لايوثقون فواتير شراء ما يمتلكونه من أثاثات أوأجهزة .. مما يعنى ضياعها فى أحيان كثيرة لحساب صندوق القضاة ورسوم المحكمة ؟؟ .. ولذلك فنحن نهيب بالسادة القضاة وبكل الحريصيين على استقلالية العدالة .. إلغاء جميع الأموال التى تحصل من المتقاضين لحساب صندوق القضاة وعدم جواز الحجز على عفش المنزل لأن ذلك يتنافى بكل تأكيد مع أدنى معانى الإنسانية والرحمة والعدل و إلزام الأجهزة المختلفة بتوفير هذا الدعم مــــن أى باب آخر !!
^ ومما يؤخذ على بيان نادى القضاة حول دور الصحافة والقضاء .. عدم التفرقة بين القضايا الخآصة والقضايا العآمة .. فقضية المستشار العشماوى مثلا قضية خآصة ما كان ينبغى عليه وهو رجل قضاء سابق أن يناقشها على صفحات الصحف والمجلات وهى تدخل فيما سبق أن تحدثنا عنه فى بداية مقالنا .. ولكن مثل تلك القضية لاتستوى مثلا مع القضايا الفكرية والقضايا العآمة التى تمس حياتنا الإجتماعية .. والتى لايمكن الإطمئنان فيها إلى حكم قاض واحد هو فى النهاية انسان له أفكاره ومبادئه ويتأثر شئنا أم أبينا بطبيعة المرحلة والتغيرات والإنتماءات التى تطرأ على المجتمع .. بل تحتاج فى الغالب إلى اجماع مستحيل فى ظل تضارب وتعارض المرجعيات التى يعانى منها المجتمع ، وسأضرب مثلا بقضية رفعها أحد المشايخ على إحدى الممثلات بسبب صورة غلاف للممثلة وهى شبه عاريه .. هذه الصورة لو عرضت على أى عالم أو شيخ من شيوخ الأزهر .. أو أى رجل من الطبقة المحافظة التى تشكل غالبية الشعب المصرى لاستنكرها واتهم صاحبتها بالخروج عن الآداب العآمة ، وبأنها صورة فاضحة .. رغم ذلك أصدرت احدى المحاكم حكما باعتبار أن مثل تلك الصورة من معالم التحضر والتقدم والإتصال بالعالم الخارجى وأن نشر مثل تلك الصور العارية لم يعد أمرا منافيا للأخلاق ولا للآداب العآمة ؟؟ .. ولم يكتفى الحكم بذلك بل صدر الحكم متضمنا سبا وقذفا فى حق الشيخ الذى مارس حقه الأصيل فى التقاضى وفى النهى عن المنكر وفقا لما تعلمه ودرسه فى مؤسسة الأزهر التابعة للدولة واتهمته المحكمة بأنه متخلف عقليا وأن الأولى به أن يودع فى مصحة عقلية ؟؟ .. وفقا لبيان نادى القضاة لايجوز لعلماء الأزهر ولا لنا نحن المسلمين أو المحافظين أن نعترض ولو بكلمة واحدة على هذا الحكم بغير ما أنزل الله .. والذى وصفه القرآن الكريم بأنه كفر وظلم وفسق .. و علينا وفقا لهذا البيان أيضا أن نموت كمدا أو نموت بغيظنا أو نخالف أمر ديننا وأخلاقنا وعقيدتنا .. وهناك مثلا قضايا مثل تلك التى تحدد العلاقة بين المالك والمستأجر وتلك التى تتحدث عن عقود الإيجار وعن قوانين الأحوال الشخصية وماشابه ذلك والتى تعتمد التعددية الفكرية والثقافية التى تعد الدعامة الأولى للديمقراطية .. بيان نادى القضاة للأسف الشديد لم يفرق بين تلك القضايا الفكرية والأيدلوجية التى يجب أن يكون للصحافة فيها دورا رائدا.. وبين القضايا الشخصية التى نؤيد كل ماجاء بشأنها فى بيان نادى القضاة !!
^ كان يجب على البيان أيضا أن يبحث قبل أن يدين الصحافة والإعلام عن الأسباب التى أدت إلى زيادة الإعتراضات والنقد وعدم الرضا ببعض الأحكام القضائية هذه الأيام بالذات .. ولعل أهم تلك الأسباب هو فساد بعض مواد القانون ذاته .. الذى يجبر القاضى فى كثير من الأحيان على اصدار أحكام مجافيه لروح القانون والدستور والعدالة .. وهنا تلعب الصحافة دورا متعاظما للتصدى لفساد القانون .. ولفساد المجلس الذى يصدر القانون ويشرع للأمة .. بينما هو أول من يخالف القانون .. وأول من يفسد القانون .. ويجد الصحفى أو الكتاب نفسه مضطرا للتعليق على بعض الحكام القضائية النهائية والتى يأتى فسادها من فساد القانون ذاته ومن الأسلوب التشريعى لمجلس العمال والفلاحين والذى أنتج مثل هذا القانون ، وليس من فساد القاضى لاسمح الله .. ولذلك فالقضية متشابكة وشائكة ومتعددة الجوانب .. والصحافة وإن لم تكن سلطة مهيمنة من الناحية الدستورية والقانونية .. إلا أنها يجب أن تبقى سلطة الرأى العام وهى من هنا سلطة حاكمة ومرشدة ومتعاونة ومكملة لسائر السلطات .. ولا يمكن بناء على ذلك قبول ما جاء فى بيان نادى القضاة .. لأن دور الصحافة فى الإصلاح القانونى والدستورى دور محورى وجوهرى و لايمكن أن يقتصر على نقل أخبار الجلسات ومواعيد انعقادها كما يطالبنا به بيان النادى .. وإذا كنا نرفض مبدأ تداخل السلطات .. فإننا لذلك نرفض أية وصاية تحاول النيل من حرية الصحافة إلا فى الحدود التى يرتضيها الرأى العآم والذى يمثل الأساس الذى يستمد منه الدستور والقانون قدسيته !!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
بقلم : محمد شعبان الموجى
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق