تضاؤل الأهمية العملية للخلاف السني الشيعي اليوم







في البدء كانت الأمة الاسلامية الواحدة، ولم تكن الطوائف. وكانت الشورى كدستور للمسلمين، ولم تكن النظريات الوراثية المختلفة. وعندما انهار نظام الشورى في الفتنة الكبرى التي عصفت بالمسلمين، وقام على أنقاضه النظام الوراثي الأموي ، كان من الطبيعي أن يولد رد فعل عند بني هاشم الذين اعتبروا أنفسهم أولى من الأمويين بوراثة الرسول الأعظم (ص)، فولدت النظرية الشيعية حول أحقية أهل البيت بتوارث السلطة.


وما أن سيطر العباسيون على الحكم حتى اختلفوا مع أبناء عمهم العلويين الذين قالوا بأحقيتهم من العباسيين بتوارث السلطة، مما دفعهم للثورة عليهم عدة مرات طوال القرنين الثاني والثالث، الى أن نجح فريق منهم من أبناء اسماعيل بن جعفر الصادق، بإقامة حكم لهم في شمال افريقيا، وكادوا يقضون على العباسيين في عقر دارهم بغداد في القرن الخامس الهجري. وهو ما أجج صراعا سياسيا بين الأطراف الهاشمية استمر عدة قرون،


وشهد أيضا ولادة أحزاب وتيارات وقوى مختلفة كالبويهيين والغزنويين والسلاجقة والأيوبيين والحمدانيين وغيرهم من الذين دخلوا ساحة الصراع بين الفاطميين والعباسيين. 


وفي حين كانت التيارات الشيعية الهاشمية أو العلوية أو الحسنية أو الحسينية تتصارع فيما بينها ، كان الفكر السياسي السني يعيش بعيدا عن السياسة، أي “غير سياسي” بمعنى انه يقبل بكل من يتولى السلطة ويسيطر عليها سواء كان عباسيا أو فاطميا أو بويهيا أو سلجوقيا. وهذا يثبت أن الصراع الحقيقي لم يكن بين الطوائف (السنة والشيعة) بقدر ما كان بين الأطراف السياسية التي كانت تستغل المذاهب الفكرية والفقهية أحيانا لتحشيد القوى الاجتماعية وراءها. فإذا لا حظنا مثلا تجربة الخليفة العباسي القادر بالله (381- 422) الذي يعتبر مؤسس “الحالة السياسية السنية” فانا نجد انه كان يخوض معركة وجود مع الفاطميين الذين هددوا عاصمة خلافته بغداد سنة 401، في حين انه كان يتآلف مع البويهيين الزيدية والشيعة الامامية الاثني عشرية. 


ورغم تبني “أهل السنة” عبر التاريخ للفكر الواقعي بالاعتراف بأية حكومة قوية تسيطر على الأمور، الا ان بعض أوائل السنة (أهل الحديث) كان يتبنى نظرية النص على أبي بكر، وهو ما عرف بالبكرية، ثم قال بعض المتكلمين المتأخرين المتأثرين بالمعتزلة، بشرعية نظام الشورى، وان النبي (ص) لم ينص على أحد، وانما ترك الأمر للمسلمين. وهذه كانت في الواقع نظرية عموم المسلمين من السنة والشيعة الأوائل، ولكن أهل السنة بدأوا يطرحون هذه النظرية ويتمسكون بها خصوصا في مقابل الشيعة الإمامية الذين قالوا بنظرية النص على الامام علي وحق ذريته بتوارث الى يوم القيامة.
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق


الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *