أصدق مايقال على الدعاية الصحفية التى صاحبت مقالة الأستاذ اللواء محمد شبل على مدار اسبوع كامل .. أنها جعجعة بلا طحن .. فقد جاء المقال ضعيفا متهافتا .. لايخالف حقائق السنة النبوية فحسب .. بل يخالف فى المقام الأول حقائق القرآن الكريم الساطعة كالشمس فى ضحاها .. وهذه المخالفات نوجزها فيما يأتى :
أولا : اجتهد اللواء شبل فى اثبات أن العبارة القرآنية (( رضى الله عنهم ورضوا عنه )) من العبارات العآمة التى لايقتصر إطلاقها على الصحابةالكرام ، وإنما تمتد لتشمل المؤمنين الصالحين فى كل زمان ومكان بل وفى كل شريعة ؟؟ وقد أورد العديد من آيات الذكر الحكيم الدالة على هذا التعميم وظل يعيد ويزيد بما هو تحصيل حاصل ، فماذكره اللواء شبل لم ينازعه أحد فيه أصلا .. فلم يقل أحد أن رضا الله عن عباده مقصور على الصحابة أو تابعيهم ، وإلا لاقتصرت الرسالة على زمانهم فقط ، لكن قول اللواء شبل : ( فى كل شريعة ) لابد أن يقيد بقوله فى زمان نبيها فقط ، وإلا فإن المسلم لايسعه إلا أن يؤمن بأن مابأيدى اليهود والنصارى من الدين باطله أضعاف أضعاف حقه وحقه منسوخ ، بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم النبى الخاتم ، وهذا ماتنص عليه الآيات القرانية المحكمات .. لكن ليست تلك قضيتنا الآن !!
ثانيا : الشىء الغريب حقا .. أن اللواء شبل ركز على عبارة (( رضى الله عنهم ورضوا عنه )) كما قلنا .. بينما أهمل أول الآية الكريمة المحكمة وهى قوله عزوجل { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان } .. فهذا هو الدليل القرآنى على بشارة الله بالجنة للصحابة الكرام من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان .. وهذا نص قرآنى صريح وواضح و لايحتمل التأويل .. إذ أن صفة ( المهاجرين ) كما وردت فى القرآن لاتنطبق فى الدنيا كلها إلا على الصحابة الكرام الذين هاجروا مع النبى صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة .. وكذلك صفة ( الأنصار ) .. اسم اسلامى اختص الله به الذين آووا ونصروا النبى صلى الله عليه وسلم ومن معه من المهاجرين الكرام .. ولذلك فالآية نص صريح على تفضيل الله عزوجل للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار .. لكن اللواء شبل قد أغضى الطرف عن ذلك كله .. بل وتجاهل قوله تعالى (( والذين اتبعوهم بإحسان )) والذى يدل دلالة واضحة لالبس فيها على تخصيص المتبوع تحديدا وهم السابقون من المهاجرين والأنصار وعلى ضرورة اتباعهم بإحسان !!
ثالثا : على الرغم من أن اللواء شبل قد نص على أن القاعدة المعتمدة لديه فى تفسير القرآن .. هى كما يقول سيادته :(( تفسير القرآن فى إطاره اللغوى وسياقه التكاملى )) .. ومع ذلك أهمل اللواء شبل كل السياق القرآنى الذى وردت خلاله تلك الآية الكريمة وضرب به عرض الحائط رغم دعواه بضرورة اتباع ظاهر القرآن .. فقد ذكر الله فى هذا السياق من سورة التوبة من الآية 97 وحتى الآية 102 الخريطة الإيمانية لأهل المدينة ومن حولها .. حيث بدأ بذكر ثلاثة أصناف من الأعراب ثم أعقبهم بذكر السابقين من المهاجرين والأنصار .. ثم الذين اتبعوهم ممن أسلموا من الصحابة بعد الحديبية .. ولذلك فهناك من العلماء من يقصر طبقة الصحابة على من آمن قبل بيعة الرضوان وصلح الحديبية .. حتى اعتبروا خالدا بن الوليد من التابعين .. مما يؤكد على أن المقصود فى الآية الكريمة هم السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار المعروفين فى السيرة .. فالآية بشارة لهؤلاء المعينين من أشخاص الصحابة الكرام بالجنة والرضوان يقينا !!
ثم بعد ذلك وبعد أن يصنف الله عزوجل الطبقات الإيمانية فى مجتمع يثرب .. يذكر فى نفس السياق قوله تعالى (( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون )) .. فدلت تلك الآية الكريمة على أن الله عزوجل قد أطلع النبى صلى الله عليه وسلم و المؤمنين معه على كل أحوال وأعمال أهل الإيمان والنفاق .. وفى الخبر ( لو أن رجلا عمل فى صخرة لاباب لها ولا كوة ( أى فتحة ) لخرج عمله إلى الناس كائنا من كان ) .. وهذا دليل على العلم بعدالة الصحابة وعلى تجردهم من أسباب الفسق وخوارم المرؤة .. إذ أن أعمالهم بنص الآية الكريمة كانت كتابا مفتوحا يقرؤه الله - وهو أعلم بالسر وماأخفى - ورسوله والمؤمنون ، وقد عالج القرآن ما وقع منهم من زلات وهفوات وقامت تشريعاته على تصحيح ذلك المسار الإيمانى للصحابة الكرام !!
رابعا : ولم يكتف اللواء شبل بإهمال الجزء الأساسى من الآية الكريمة .. ولابإهماله لسياق تلك الآيات .. بل أهمل كذلك العديد من الآيات القرآنية المحكمة والتى نصت صراحة على تعديل الله عزوجل للصحابة الكرام ، وإخباره عزوجل عن طهارتهم ، واختياره لهم فى نص القرآن .. وهذه الآيات هى :
قوله تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس } وقوله : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ، ويكون الرسول عليكم شهيدا } وقوله { لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم مافى قلوبهم فأنزل الله السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا } ، وقوله تعالى { والسابقون السابقون أولئك المقربون فى جنات النعيم } وقوله تعالى : { ياأيها النبى حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين } وقوله تعالى { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله وورسوله ، أولئك هم الصادقون ، والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون فى صدورهم حآجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } .. وقوله تعالى : { لقد تاب الله على النبى والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه فى ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم } .. وماذا يقول شبل فى قوله تعالى { لايستوى منكم من أنفق قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى } فهل من الممكن أن يتساوى أحد منا كائنا من كان مع هؤلاء أو أولئك ؟؟
كل تلك الآيات القرآنية الناطقة بتعديل وتفضيل الله عزوجل للصحابة الكرام وتبشيرهم بالجنة .. أسقطها اللواء شبل من حساباته تماما .. بينما ركز جل اهتمــــــامه على اثبات أن قوله { رضى الله عنهم ورضوا عنه } من الآيات العآمة !!
خامسا : وبينما ينكر اللواء شبل .. تبشير النبى صلى الله عليه وسلم للصحابة بالجنة .. لأنها وردت فى أحاديث آحاد وهى ظنية لاتثبت بها العقائد كما يقول سيادته .. إذا به يثبت بمنتهى السهولة .. تبشير النبى صلى الله عليه وسلم لأحد المقاتلين معه فى خيبر بالنار ؟؟ .. مع أن ذلك لم يثبت إلا بأحاديث آحاد .. يعنى ياسيادة اللواء تبشير الصحابة بالنار جائز ، وتبشيرهم بالجنة غير جائز مع أن المصدر واحد .. هل هذا معقول ؟؟
- ثم ألم تسأل نفسك يا سيادة اللواء وأنت لاتؤمن بخروج أحد من النار ولابالشفاعة .. كيف يستسيغ عقلك .. أن يدخل رجل النار لأنه سرق عباءه .. بينما هو يجاهد فى سبيل الله ويقتل شهيدا .. والله يقول بأن الحسنات يذهبن السيئات .. وأن من عمل مثقال ذرة خيرا يرى .. فأين سيرى هذا الرجل جزاء قتاله إلى جوار النبى صلى الله عليه وسلم وأين سيرى جزاء عمله الصالح الذى لابد وأن يكون له نصيب منه .. من صلاة وصـــــيام وحج وزكاة وغير ذلك ؟؟
- ثم أنت يا سيادة اللواء تنكر اطلاع الله عزوجل نبيه على بعض الغيب - بخلاف القرآن الكريم - فكيف استسغت وفقا لأفكارك ومبادئك .. أن يعلم النبى صلى الله عليه وسلم هذا الغيب .. وهو سرقة هذا الرجل للعباءة .. وكيف استسغت قوله عليه السلام .. إنى رأيته فى النار فى بردة غلها ؟؟ أرأيت يا سيادة اللواء كـــيف تحكم فى الشرع والقرآن بالهوى ؟؟
سادسا : وأما قوله تعالى : { ولاأدرى ما يفعل بى ولا بكم } .. فهى من باب المحآجاه .. كقوله تعالى { وإنا أو إياكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين }.. إذ أنه من غير المقبول ولاالمعقول ولا المشروع ألا يعلم النبى صلى الله عليه وسلم مايفعله عزوجل به يوم القيامة .. كيف والقرآن الكريم نفسه يقول فى أول سورة الفتح : { إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } ؟؟
وفى مسألة أخرى .. يقرر سيادة اللواء أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم المنافقين ، وبالتالى لم يكن يعلم من يدخل الجنة من أصحابه ، ومن يدخل النار ؟؟
ونود أن نوضح لسيادته عدة حقائق هآمة :
أولا : لابد أن نفرق كما قلنا سابقا بين الصحبة اللغوية التى تثبت الصحبة لكل من قابل النبى صلى الله عليه وسلم ولو للحظة .. وبين الصحبة العرفية التى أثبتها القرآن .. ولذلك اعتبر بعض العلماء أن طبقة الصحابة كما قلنا تنتهى عند صلح الحديبية ، وأن من جاء بعد ذلك ينظر فى أمره .. فإن كان ممن اتبع بإحسان فهو أيضا من الصحابة ، وإن كان ممن أساء ونافق فهو من المنافقين !!
ثانيا : لم يدخل النفاق على أحد من المهاجرين ولا الأنصار بنص القرآن الكريم .. وإنما ظهر النفاق من أهل المدينة من غير الأنصار ، وممن حولها من قبائل الأعراب بعد ظهور الإسلام واستقراره فى المدينة وبداية سيطرته .. وبالتالى فإن بؤر النفاق كانت معلومة تماما لكل المؤمنين وهى قبائل ( مزينة وجهينة وأسلم وغفار وأشجع ) .. وكانت أبرز سيماتهم التخلف عن القتال بنص القرآن الكريم .. فكان يجرى عليهم حكم الله الذى يجرى على المؤمنين ولايكون لهم فى الغنيمة والفىء شىء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين .. كما اسقطت شهادتهم فى حق أهل الحاضرة.. كما لم تقبل إمامتهم لأهل الحاضرة فى الصلاة إذ كانوا لايصلون الجمع !!
ثالثا : والقول بأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم المنافقين يخالف العديد من آيات الذكر الحكيم ... إذ كيف كان النبى والمؤمنون معه يستطيعون تنفيذ الأمر القرآنى فى قوله تعالى { ماكان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ماتبين لهم أنهم أصحاب الجحيم } الآية 113 .. وهنا سؤال اعتراضى .. كيف كان يعلم النبى صلى الله عليه وسلم والذين معه أن هؤلاء المنافقين المعنيين فى الآية الكريمة من أصحاب الجحيم ؟؟ أليس هذا من الغيب ياسيادة اللواء ؟؟ وإذا جاز للنبى بنص القرآن أن يبشر هؤلاء بأنهم من أصحاب الجحيم أفلا لايجوز أن يبشر صحابته بجنة الرضوان ؟؟
وإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم لايعلم أهل النفاق كما يقول سيادة اللواء .. فكيف استطاع تنفيذ الأمر القرآنى فى قوله تعالى : { ولاتصل على أحد منهم مات أبدا ولاتقم على قبره } !!
وأخير أقول ما قاله إمام الأئمة أبو زرعة رضى الله عنه ( إذا رأيتم الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق .. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق ، والقرآن حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله ، وإنـــما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى ، وهم زنادقة ) !!
يقول الحافظ الكبير الخطيب البغدادى : (( ولو لم يرد من الله عزوجل ورسوله فى الصحابة الكرام خبر ولاحديث .. لأوجبت الحال التى كانوا عليها -من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة فى الدين ، وقوة الإيمان واليقين - القطع على عدالتهم والإعتقاد لنزاهتهم ، وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين يجيئون من بعدهم أبد الآبدين )) !!
ألم أقــل لكم أن ماكتبه سيادة اللواء جعجعة بلا طحن ؟؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
بقلم : محمد شعبان الموجى
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق