فما ضر بحر الفرات يوما .. أن خآض بعض الكلاب فيه



كنت أود من د.عثمان محمد على أن يذكر لنا تفسير قوله تعالى فى سورة الأحزاب الآية ( 50 ) : { وأمرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبى إن أراد النبى أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم فى أزواجهم وماملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما } .. لقد اكتفى الدكتور المحترم بالإشارة الخاطفة : بأنه لاعلاقة بين هذه الآية الكريمة وبين رواية أنس التى رواها أحمد والبخارى .. والتى تحكى قصة إمرأة عرضت نفسها على النبى صلى الله عليه وسلم ليتزوجها .. هذا رغم شدة الحآجة إلى تفسير الآية الكريمة فى هذا الموضع ، وتوافر الداعى لنفى تلك العلاقة بينها وبين الرواية التى يعترض عليها ويشكك فيها ، والسبب كما قلنا .. أن منكرى السنة المطهرة .. يجحدون فى الوقت نفسه عشرات الأحكام القرآنية .. والدكتورعثمان أعرض عن تفسير الآية على مايبدو لأنه لم يعجبه الحكم القرآنى الذى نطقت به الآية الكريمة و الذى يجيز للمرأة أن تهب نفسها للنبى بلا مهر ولا ولى ولا شهود ، ويجيـز للنبى صلى الله عليه وسلم قبول الهبة وحصول التزاوج بلفظها.. والمؤسف حقا أن الدكتور عثمان الذى يخوض فى بحر البخارى الآن .. يجهل الفرق بين عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح ليتزوجها وهو مناط الحديث الذى رواه أنس .. وبين هبة المرأة نفسها للنبى صلى الله عليه وسلم .. ولذلك يقول معلقا على رواية انس : (( وكأنها دعوة للإباحية والزواج بمجرد الهبة دون صداق أو استئذان الأهل كما شرع الله تعالى فى الزواج )) .. وكأنه لايعرف الفرق بين زواج المؤمنين وزواج النبى صلى الله عليه وسلم .. فقد بينت الآية الكريمة التى أعرض عنها الدكتور وجحدها .. خصائص النبوة فى قبول الهبة بلا صداق ولاولى ولاشهود.. أولا : لأن الولى إنما جعل من أجل التحقق من كفاءة الزوج لمن هو ولى عليها .. والنبى صلى الله عليه وسلم كفء لجميع نساء الدنيا ولايجوز لمسلم أن يشكك أو يطعن فى كفاءة النبى صلى الله عليه وسلم فهذا كفر بالإجماع .. وثانيا : كل من اشترط على النبى أن يأتى بشهود فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ؟؟ فإنما جعل الشهود من أجل الجحود .. والنبى صلى الله عليه وسلم لايجحد ولو جحدت المرأة لم يرجع إلى قولها بل تصبح كما قال العراقى فى ( شرح المهذب ) كــافرة بتكذيبه .. فكان له صلى الله عليه وسلم تزويج المرأة من نفسه ومن غيره وتولى الطرفين بغير إذنها واذن وليها لقوله تعالى { النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه امهاتهم } الأحزاب /6 .. هذا هو حكم القرآن الواضح الجلى وليس حكم السنة وحدها .. لكن الدكتورعثمان لايكتفى بجحد حكم الله فى كتابه العزيز فحسب .. لكنه يتولى كبره ويتمادى بالسخرية منه صراحة ويصفه بالإباحية .. تحت ستارالإستهـزاء بـرواية البخارى رضى الله عنه ؟؟ 

ولعلم الدكتور، ولعلم كل الذين غابت ضمائرهم عن الحق ، ولعلم الذين برمون المؤمنين بها بالباطل والبهتان وشهادة الزور قبل التثبت من الأقوال والأفعال ، ولعلم كل هؤلاء الدكاترة الذين أكل الشك قلوبهم .. أن تلك الرواية التى رواها البخارى عن انس موجودة بالتمام والكمال فى مسند الإمام أحمد الحديث رقم 13545 .. وبالتالى فلا معنى لإتهام البخارى رضى الله عنه من جهة العقل - إن كان فى القصة ما يشين أصلا - بأنه قد افترى وكذب وأصر على إيذاء النبى صلى الله عليه وسلم وهى تهمة لايرمي بها البخارى رضى الله عنه إلا حاسد أو جاهل .. اللهم إلا إذا قلنا كذلك أن الإمام أحمد بن حنبل هو الآخر قد افترى وكذب وأصر على إيذاء النبى صلى الله عليه وسلم .. لقد نبهنا على تلك القضية كثيرا .. ولكن أصحاب الضمائر الخربة يصرون على المكابرة ورمي البخارى بالذات بالبهتان وبالباطل وبكل تلك العبارات البذيئة الساقطة لايردعهم دين ولايصدهم عقل ولا يزجرهم قول الله تعالى { ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا } 112 النساء .. فهم والله الكاذبون ، وهم الخاطئون ، وهم المنافقون ، وهم الذين يؤذون النبى ويجحدون قرآن ربهم وسنة نبيهم بالهوى والغرض .. ثم بعد ذلك يرمون بها علماء الأمة وسلفها الصالح (..) 

وبالمثل فإن الإمام البخارى يستحيل قطعا أن يكون هو الذى اخترع قصة زواج النبى صلى الله عليه وسلم من المرأة ( الجونية ) التى استعاذت منه فأعاذها على النحو الذى سنتناوله بعد قليل إن أذن الرحمن .. لنفس السبب الذى قلناه .. لأن تلك الرواية عندما رواها الحسين النيسابورى كان عمر البخارى رضى الله عنه لايتجاوز تسع سنوات فقط ؟؟ هذا على افتراض أن النيسابورى قد رواها فى صحوة الموت .. بل والرواية موجودة بتفاصيل أكثر فى الطبقات الكبرى لأبن سعد ( وابن سعد توفى سنة 230 هجريا ) .. أى قبل أن ينتهى البخارى من صحيحه .. والرواية موجودة كذلك فى مسند الإمام الجليل أحمد بن حنبل .. فكيف يرضى ضميرك الدينى يادكتور أن يتهم البخارى بأنه هو الذى افترى وهو الذى كذب وهو الذى أصر على إيذاء النبى صلى الله صلى الله عليه وسلم ؟؟ سبحانك هذا بهتان عظيم . 

ثم نأتى بعد ذلك إلى أحداث القصة نفسها وسوف نرى فيها أنها لاتحمل أى معنى للإباحية أو الفوضى الجنسية أو شبهة إيذاء للنبى صلى الله عليه وسلم أو أى معنى مخالف .. كل تلك الإتهامات ليست سوى مجرد أوهام وخيالات مريضة .. وكل إناء ينضح بما فيه .. فقد حكاها الدكتور المحترم بشكل غير محترم وبإسلوب بذىء شائه مبتسر مغرض مريض .. ولم يحاول استجلاء الحقيقة قبل سرعةالقذف والتشنيع على القصة وعلى من رواها .. ولم يفترض مجرد افتراض أن تكون هذه القصة صحيحة عن النبى صلى الله عليه وسلم .. فيكون بذلك قد اتهم النبى صلى الله عليه وسلم نفسه وآذاه إيذاءا شديدا .. وهو ما حصل بالفعل .. فالقصة مشهورة وقد أجمع العلماء على أن النبى صلى الله عليه وسلم تزوج من المرأة الجونية فى قول ، أو خطبها فى قول آخر .. لكنها استعاذت منه وقالت ماقالت فأعاذها وردها إلى أهلها وقد ماتت تلك المرأة كمدا فى عهد عثمان بن عفان فى سنة 60 من الهجرة .. وهو مايؤكد أن قصتها كانت مشتهرة بين الصحابة (..) 

يقول ابن سعد بسنده عن عون الدوسى فى الطبقات الكبرى أنه قال -بتصرف قليل منى - : قدم النعمان بن أبى الجون الكندى وكان ينزل هو وبنو أبيه ( نجد ) قريبا من مكان اسمه ( الشربة ) .. فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما .. أى يعلن ويشهر إسلامه .. فقال يارسول الله ألا أزوجك أجمل أيم فى العرب كانت تحت ابن عم لها فتوفى عنها فتأيمت .. وقد رغبت فيك وحطت إليك .. ( وكانت القبائل تحرص على مصاهرة النبى صلى الله عليه وسلم ) .. فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم على اثنتي عشرة أوقية ونش .. فقال النعمان بن أبى الجون : يارسول الله لاتقصر بها فى المهر .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ماأصدقت أحدا من نسائى فوق هذا ولا أصدق أحدا من بناتى فوق هذا .. فقال النعمان .. ففيك الأسى أى القدوة .. قال النعمان : فابعث يارسول الله إلى أهلك من يحملهم إليك فأنا خارج مع رسولك فمرسل أهلك معه .. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معه أبا أسيد الساعدى فلما قدما عليها جلست فى بيتها وأذنت له أن يدخل ، فقال أبو أسيد : إن نساء رسول الله لايراهن أحد من الرجال ، فقال أبو أسيد : وذلك بعد أن نزل الحجاب ، فأرسلت إليه المرأة تقول له إذن ( فيسرنى أمرى ) .. أى أنظر ماذا ترى لإتمام هذا الأمر .. قال أسيد : يفرض حجاب بينك وبين من تكلمين من الرجال إلا ذا محرم منك .. ففعلت .. قال أبو أسيد : فأقمت ثلاثة أيام ثم تحملت معى على جمل ظعينة فى محفة فأقبلت بها حتى قدمت المدينة فأنزلتها فى بنى ساعدة ، فدخل عليها نساء الحى فرحبن بها وسهلن .. وخرجن من عندها فذكرن من جمالها وشاع بالمدينة قدومها .. قال أبو أسيد : ووجهت إلى النبى صلى الله عليه وسلم وهو فى بنى عمرو بن عوف فأخبرته ، ودخل عليها داخل من النساء قد دسسنه لها لما بلغهن من جمالها وكانت من أجمل النساء .. فقالت : إنك من الملوك فإن كنت تريدين أن تحظى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا جاءك فاستعيذى منه فإنك تحظين عنده ويرغب فيك .. وفى رواية الإمام أحمد والبخارى أنها قالت له قولتها الفاحشة عندما طلب منها أن تهب نفسها له تطييبا لخاطرها واستمالة لقلبها رغم أنه كان قد تزوجها بالوكالة كما قدمنا (..) 

ومهما يكن من أمر الإختلاف فى تفاصيل القصة .. فإن كل الأئمة الذين رووها وعلى رأسهم الإمام الزهرى والأوزاعى والحسين النيسابورى وابن سعد والإمام الجليل أحمد والبخارى والحاكم فى المستدرك وغيرهم من أئمة العلم .. إنما رووها باعتقادهم الجازم أنها زواج وليست دعارة ولا إباحية .. وحاشا لهؤلاء الأئمة الأعلام أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذه البذاءة والأفك .. وهم حراس الدين الذين بذلوا حياتهم لنصرة هذا الدين .. لقد ترجم الإمام البخارى رضى الله عنه هذه القصة تحت باب : (( من طلق وهل يواجه الرجل إمرأته بالطلاق ؟؟ )) .. هذا هو اعتقاد البخارى رضى الله عنه وهو يروى القصة .. فهل يقال بعد ذلك أن البخارى يقدح فى أخلاقيات النبى صلى الله عليه وسلم وأنه تجرأ وكذب وتعدى ونسب إلى النبى صلى الله عليه وسلم أنه يرتكب المنكرات .. لمجرد أنه نسب إلى النبى أنه تزوج بالهبة بلا مهر ولاولى ولاشهود .. مع أن القرآن نفسه أباح للنبى صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين معه ماهو أكثر من ذلك .. أى ملك اليمين وشراء الجوارى من الأسواق واسترقاقهن فى الحروب ومعاشرتهن جنسيا بالشروط المعروفة وللحكمة القويمة على النحو المعروف .. ولن نستطيع أن نستوعب ذلك إلا كله إذا اعتقدنا أن الفروج إنما تباح بكلمة الله وتحرم بكلمة الله وهذه قاعدة إيمانية وردت فى عشرات الآيات القرآنية .. يجب التسليم بها (..) 

وأخيرا أود أن أقول للأستاذ والأخ الفاضل أحمد رفعت .. إن الكذب والإفتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم والإصرار على ايذائه ورميه بإرتكاب المنكر -وحاشاه - لو ثبت فى حق البخارى أو غيره فلا يمكن بحال من الأحوال أن نسميه اجتهادا بل هو افتراء وكفر وزندقة .. وبالمقابل فإن كل من رمى البخارى أو غيره من أكابر أهل العلم بتلك التهم الشنيعة ظلما وبهتانا .. لايسمى أيضا اجتهادا .. بل افتراء وقلة أدب ، ولايستحق صاحبه إلا التوبيخ والتقريع والضرب على القفا . 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، 

بقلم : محمد شعبان الموجى
TAG

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق


الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *