محمد شعبان الموجي |
^ من الحقائق التاريخية الثابتة فى القرآن .. أن مجتمع الصحابة كان جزءا أو شريحة واحدة فقط من ثلاث شرائح كانت تمثل فى مجملها مجتمع المدينة المنورة .. ولذلك من الخطأ العلمى والإيمانى الجسيم الحكم على كل سكان المدينة المنورة فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم بأنهم كانوا من الصحابة الكرام .. فقد كان يعيش فيها أيضا اليهود والأعراب الذين كانوا يمثلون غالبية ( مجتمع المنافقين ) بالإضافة إلى العديد من أهل المدينة ممن اشتهر أيضا بالنفاق .. وهم الذين كانوا يظهرون الإيمان بالإسلام .. ويبطنون الكفر .. ويرتكبون أبشع الجرائم فى كآفة المجالات العقائدية و الأخلاقية وهم الذين كانوا يؤذون النبى صلى الله عليه وسلم ويترصدون للإسلام ويتآمرون عليه و يمارسون الزنا ( بالذات ) ويحرضون عليه فى الخفاء بالطبع .. ويديرون شبكات الدعارة من الإماء ويروجون لكل منكرات بين قومهم وينهون عن كل معروف بين أفراد مجتمعهم اللآدينى ( العلمانى ) المنحرف وهذا هو ديدنهم فى كل عصر .. وقد تحدث القرآن عن تلك الحقيقة بشكل واضح فى ثلاث مواضع الأولى فى سورة التوبة الآية 101 فى قوله تعالى : { وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لاتعلمهم نحن نعلمهم .. الآية } وفى ذات السورة فى قوله تعالى { ماكان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه .. الآية 130 } والموضع الثالث فى سورة الأحزاب فى قوله { لئن لم ينته المنافقون والذين فى قلوبهم مرض والمرجفون فى المدينة لنغرينك بهم ثم لايجاورنك فيها إلا قليلا .. الآية 60 } .. وقد أسهب القرآن الكريم فى الحديث عن تلك الطبقة المنافقة وعن مجتمعاتهم ومجالسهم الخآصة وأنديتهم ومحافلهم و صفاتهم وأخلاقهم وسيماهم والتحذير من خطرهم على المجتمع الإنسانى وبيان عاقبة أمرهم فى الدنيا والآخرة وبيان موقفهم الحقيقى من الإسلام .. آيات كثيرة تحدثت عن النفاق والمنافقين يضيق بذكرها المقام هنا !!
^ ولذلك كان للنبى صلى الله عليه وسلم سياسة عظيمة معهم أثمرت عن النجاح العظيم فى تقليص ظاهرة النفاق إلى أدنى درجة ممكنة .. حتى مات صلى الله عليه وسلم ولم يكن بالمدينة منهم سوى حوالى 25 منافقا كان حذيفة بن اليمان يعرفهم واحدا واحدا .. بعد أن كانوا يعدون بالآلاف المؤلفة فى صدر الدولة الإسلامية فى المدينة .. حتى أن من تخلف منهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة أحد وحدها كان أكثر من ثلاثمائة رجل .. ومع أن النفاق قد تقلص افقيا كما أوضحنا .. إلا أنه ظل من جانب آخر يتصاعد رأسيا عند من بقى على نفاقه من أئمتهم وزعمائهم مع تصاعد قوة السلطة السياسية للمسلمين .. فقد كان المسلمون قبل بدر يسمعون الأذى الظاهر من هؤلاء المنافقين والمنافقات الذين كانوا يمثلون شريحة كبيرة من مجتمع يثرب أو مجتمع المدينة المنورة ، ويؤمرون بالصبر عليه وأما بعد بدر فقد زاد النفاق أى ازداد المنافقون لامن حيث العدد ولكن من حيث إظهار الإسلام وابطان الكفر .. فقد كانوا يؤذون النبى صلى الله عليه وسلم فى مجالسهم الخآصة والنبى صلى الله عليه وسلم يؤمر أيضا بالصبر عليهم لكنه كان لايتسامح مع أى منافق يظهر السوء أو الكفر فى المجتمع .. وأما فى تبوك فقد أمر صلى الله عليه وسلم بالإغلاظ للكفار والمنافقين ، فلم يتمكن بعدها كافر ولا منافق من إعلان الإرتداد عن الدين أو اظهار المنكر والكفر والفاحشة فى المجتمع !!
هذا الإستطراد حول الحديث عن المنافقين فى مجتمع المدينة من الأهمية بمكان ونحن نتحدث عن الأطروحات الفاسدة للشيخ خليل فى كتابه المسموم ( مجتمع يثرب ) .. وذلك لأمرين :
الخطأ الأول
أن خليل أخطأ متعمدا فى تشريح طبقات أهل المدينة حينما قسمهم إلى خآصة وهم الصحابة الكرام أو المحيطين به صلى الله عليه وسلم والعآمة وهم باقى أفراد المجتمع .. لكنه تجاهل تماما و لم يلمح ولو بإشارة صغيرة إلى طبقة المنافقين التى كانت منتشرة فى بداية دولة الإسلام فى المدينة ثم بدأت تتقلص أفقيا وتزداد رأسيا كما أسلفنا رغم أنه يعدنا دائما بالإلتزام بالمنهج العلمى الصارم .. وهذا هو الخطأ الجوهرى فى كتابه المسموم عن مجتمع يثرب .. فقد كان ثمة إختلاف شاسع بين مجتمع الصحابة أو المحيطين بالنبى صلى الله عليه وسلم وبين مجتمع المنافقين .. بل إن خليل نفسه قد ألمح إلى هذا التباين العقائدى والأخلاقى .. لكن على اعتبار أن المنافقين كانوا هم عآمة الشعب فى مجتمع المدينة المنورة .. حيث يقول بالحرف الواحد فى حديثه عن طبقة الصحابة صفحة 18 : (( و كان للقرآن فى نفوس من دخلوا دين محمد رهبة شديدة ولآياته قداسة مابعدها قداسة .. ولذلك سنجد أنه فى المشكلات العضال كان فصل الخطاب فيها يأتى عن طريق آيات يقرؤها محمد على الصحابة فما يسمعوها حتى يذعنوا لها وللحل الذى حملته على الفور ودون معارضة أو أقل قدر من التمرد )) ويقول عنهم فى موضع آخر صفحة 19 (( وكانت لأحاديث محمد قدسية عند من اتبعه على ديانته وإن كانت لاتصل إلى مرتبة قداسة القرآن إلا أن المسلمين احترموها وبجلوها وأطاعوا ماتأمر به وانتهوا عما تنهى عنه ، لأن القرآن قد قرن طاعة الله بطاعة محمد )) ويقول فى موضع ثالث (( وكان استعمال محمد لأحاديثه هو كسلاح يفل به شوكة العلاقات الجوانح )) .. وهذه العبارات التى اعترف فيها خليل بالتغييرات الثورية و الجذرية التى أحدثتها (( النصوص ) ) فى نفوس المحيطين بمحمد صلى الله عليه وسلم تتناقض أولا مع قوله فى المقدمة (( أن تغيير أحوال أى مجتمع لايتم بتأثير النصوص مهما كان شأوها من البلاغة والإعجاز ولكن بتغيير ظروفه الماديه ؟؟؟ ) ويتناقض كذلك وإلى أبعد مدى مع كل ما جاء فى هذا الكتاب المسموم من محاولات موتورة لإلصاق أبشع التهم بمجتمع الصحابة الكرام وتتناقض كذلك مع ماجاء فى صفحة (89 ) من الكتاب المسموم والتى نقلناها حرفيا الأسبوع الماضى والتى يكشف فيها خليل عن هدفه الواضح الذى يتمثل فى ( تفكيك القباب المقدسة قداسات زيوف وفى تسليط الأنوار الكاشفة على ( النصوص ) - يقصد بكل وضوح النصوص الشرعية وليس أقوال الفقهاء والتفاسير كما يزعم المدافعون عن خليل بالباطل - وكذلك تعرية رموز كبيرة الشأن رفيعة المقام ونزع الهالات التى أحاطوها بها ؟؟؟ ) .. على الرغم من أنه يصف تلك الرموز الكبيرة رفيعة الشأن منذ قلـيل كما ذكرنا بأنها كانت ملتزمة أشد ما يكون الإلتزام بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية .. أعيدوا قراءة تلك الفقرات مرة ثانية لتكتشفوا حجم التناقض الفكرى المفضوح والإفتراء على خير أمة أخرجت للناس !!
الخطأ الثانى
أن خليل تعمد إلصاق صفة صحابى أو صحابية يكل مرتكبى جرائم الزنا والخيانة دون أن يحرر لنا معنى الصحابى عن غيره من أفراد المجتمع سواء من كانوا من العآمة أو كانوا ممن عرف بالنفاق من الأ‘عراب وغيرهم !!
فمالك بن ماعز مثلا كان من قبيلة أسلم التى اشتهرت بالنفاق يؤكد ذلك تخلفه هو نفسه عن القتال فى الغزوات ، والمرأة الغامدية التى اعترفت بالزنا معه كانت هى الأخرى من قبيلة جهينة التى شاع فيها النفاق أيضا !!
ولو فتشنا كذلك فى ألفاظ الروايات التى سجلت لنا العديد من جرائم الزنا والإنحرافات الجنسية .. فإننا سنجد أن أكثرها لم يذكر فيه اسم الجانى أو المجنى عليه .. مثل عبارات (( جاء رجل .. عالجت امرأة فى أقصى المدينة .. أن رجلا أصاب من امرأة قبلة .. لقى رجل امرأة كانت بغيا .. ألخ )) !!
لكن خليلا كما قلنا يتعمد الإساءة إلى الصحابة فيقول معلقا على حديث (( لقى رجل امرأة كانت بغيا .. )) فيقول بعباراته المسمومة : (( هذا الصحابى ؟؟ يداعب البغى السابقة ( والحمد لله أنه لم يقل يداعب الصحابية ) ثم يبسط يده إليها بادئا بما فى نفسه إلى ينتهى بها إلأى المواقعة )) .. ,انا أتحدى خليل أن يثبت أن هذا الرجل كان من الصحابة .. بل أتحداه أن يذكر مجرد اسمه .. فهل منهجك العلمى ياخليل يجيز لك ترقية مجهول إلى درجة صحابى !!
وهل كانت زوجة هلال بن أمية أو عويمر بن أبيض من الصحابيات ( كما يلصق بهما خليل تلك الصفة .. أو كانتا من الرموز الكبيرة رفيعة الشأن .. والتى يريد خليل تعريتها كما يقول وتفكيك القباب المقدسة المضروبة حولهما !! كيف والتاريخ أو السيرة أو السنة لاتكاد تذكر اسميهما !!
وهل كانت البكر التى تزوجها بصرة بن أكثم ثم وجدها حبلى .. من الصحابيات أو من الرموز الكبيرة رفيعة الشأن !!
وعندما نقرأ مثلا أن أنصاريا لاعن امرأة من بلعجلان كان قد دخل بها فاكتشف أنها ليست بكرا فأنكرت ذلك .. هل يعرف خليل اسم تلك المرأة وهل احتفت كتب السيروالتواريخ والمناقب بأمثال تلك المرأة أو ادعى أحد لتلك المرأة قدسية أو ضرب حولها بقباب زيوف !!
وعلى هذا المنوال سنجد أن أغلب مرتكبى تلك الجرائم إما من المجاهيل الذين قد يذكر التاريخ اسمائهم بالكاد .. وإما أنهم من الأعراب المنافقين الذين انتشر فى قسم منهم الزنا وهم الذين وصفهم الله فى كتابه ( الذين فى قلوبهم مرض ) .. وهم كذلك فى كل عصر .. ولذلك قلنا سابقا أن من أهم جوانب الإختلاف بين العلمانية والإسلام قضية الزنا وطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة حيث يرفض العلمانيون معظم الضوابط التى وضعها الإسلام فى سبيل الحيلولة دون أن تعمل الطبيعة البشرية عملها .. فهم الذين يبيح قانونهم حتى يومنا هذا الزنا بالتراضى .. وهم الذين ينتهكون كل المحرمات باسم الفن وحرية التعبير والرقى والحضارة على النحو المشاهد الذى يغنى عن الكلام !!
خليل عبد الكريم
وليس ماعز بن مالك قبل أن يعترف ويتوب إلى الله توبة لو قسمت على أهل الأرض لوسعتهم ولا ابن السحماء ولا غيرهم من ضعاف النفوس الذين لم يرو عنهم حديثا واحدا ولم يعرف عنهم شيئا من المناقب ، وليس هؤلاء الذين كانوا يتخلفون عن القتال .. وكان لايتخلف عن القتال إلا المنافقون أو أصحاب الأعذار .. وليس أمثال هيت المخنث الذىأمر النبى صلى الله عليه وسلم بإخراجه من المدينة ومن جرى مجراه .. ليس هؤلاء الذين نعنى بمجتمع الصحابة .. بل نعنى الصحابة الذين رووا ولو حديثا واحد عن المصطفى صلى الله عليه وسلم والذين لم يثبت فى حقهم أى جرح يطعن فى عدالتهم .. الصحابى الذى نعنيه هو الذى لقى الرسول صلى الله عليه وسلم ومات على الإسلام ولم يكن من المنافقين الذين اتصل نفاقهم واشتهرحتى ماتوا على ذلـــــك !!
^ حتى الصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا طبقة واحدة بل طبقات متعددة المشهور عند العلماء انها عشرة .. 1 - قوم تقدم اسلامهم بمكة كالخلفاء الأربعة 2- الصحابة الذين أسلموا قبل تشاور أهل مكة فى دار الندوة .. 3- مهاجرة الحبشة .. 4 - أصحاب العقبة الأولى .. 5 - أصحاب العقبة الثانية وأكثرهم من الأنصار .. 6 - أول المهاجرين الذين وصلوا إلى النبى صلى الله عليه وسلم بقباء قبل أن يدخل المدينة .. 7 - أهل بدر .. 8- الذين هاجروا بين بدر والحديبية .. 9 - أهل بيعة الرضوان فى الحديبية .. 10 - من هاجر بين الحديبية وفتح مكة كخالد بن الوليد وعمرو ابن العاص وأبى هريرة ..11 - مسلمة الفتح الذين أسلموا فى فتح مكة .. 12 صبيان وأطفال رأوا النبى صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وفى حجة الوداع وغيرهما .. وقد أجمع العلماء على أن أفضل الصحابة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم على ثم بعدهم العشرة المبشرين بالجنة ثم أهل بدر ثم أحد ثم بيعة الرضوان وممن لهم مزية أهل العقبتين من الأنصار والسابقون الأولون وهم من صلى القبلتين أو أهل بيعة الرضوان أو أهل بدر أو الذين أسلموا قبل الفتح على اختلاف طفيف بين العلماء !! هؤلاء هم الصحابة الذين نعنيهم بالعدالة أى بحسن السير والسلوك ولم يدعى أحدهم فى حقهم العصمة .. !!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بقلم محمد شعبان الموجى
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق