اللواء محمد شبل
تتلخص دعوى اللواء / محمد شبل والتى أثارت لغطا كبيرا ، وجدلا واسعا فى الأوساط الصحفية والدينية ولاتزال .. فى جواز اتمام أعمال الحج فى أشهر الحج المعلومات .. وفى جواز تعدد الوقوف بعرفه ومزدلفة ومنى ويوم النحر ( .. ) ، واستدل على ذلك بقوله تعالى فى سورة البقرة { الحج أشهر معلومات } .. وقال سيادته : ( بأنه لايجوز أن يقول الله عزوجل { الحج أشهر معلومات } فتجىء السنة وتجعل الحج فى أيام معدودات ) ؟؟
وقد قام بالرد على اللواء شبل العديد من العلماء الأجلاء وعلى رأسهم فضيلة مفتى الديار المصرية الذى بادر بالرد .. ثم توالت الردود التى تشابهت على حد زعم اللواء شبل مما دفعه إلى توجيه ردا واحدا على جميع الآراء التى تصدت له .. وقد قرأت هذا الرد الذى كتبه اللواء شبل فى أحرار الجمعة 30 ابريل 1999 .. فوجدته يخلو من أهم دليل قرآنى يدحض دعوى اللواء شبل ويجعلها بمشيئة الله تعالى نسيا منسيا .. (!!)
إن مشكلة الذين واجهوا اللواء شبل أنهم لم يتفقوا معه أولا فى الأصول الفقهية .. فهم يستندون إلى السنة المطهرة واللواء شبل من الذين لايقبلون السنة والمرويات عن النبى صلى الله عليه وسلم إلا بشروط معينة .. ويستندون إلى الإجماع وهو لايؤمن بالإجماع ويراه من الأمور المستحيلة عمليا وهم يستندون فى تفسير القرآن إلى أقوال ابن عباس وابن عمر وعطاء ونافع وبن المسيب والزهرى والأئمة الأربعة وغيرهم من علماء السلف وهو لايعترف بالمكانة العلمية والدينية لهؤلاء .. وطالما أنهم واللواء شبل قد اختلفوا فى الأصول .. فمن سابع المستحيلات أن يتفقوا فى الفروع (...) ، وهذا شىء أعتقد أنه من البديهيات العقلية والمنطقية .. ولذلك فقد قررت أن أناقش دعوى اللواء شبل من خلال آيات القرآن الكريم وحدها .. ومن خلال التفسير الذى يفرضه السياق القرآنى
أولا :
استند اللواء شبل إلى أول الآية ( 197 ) من سورة البقرة .. وأغفل الآية التى قبلها والتى تحمل حسبما سيتبين بعد قليل إن شاء الله تعالى .. الدليل القاطع على بطلان دعوى اللواء شبل .. يقول الله تعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى ، ولاتحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام فى الحج وسبعةإذا رجعتم تلك عشرة كاملة ، ذلك لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب } 196 البقرة
لقد بينت الآية الكريمة حكمين أساسيين : الأول حكم المحصر الذى أحرم بالحج فى أشهر الحج .. ثم منعه أمر من خوف أو مرض أو عجز أو حبسه عدو عن المضى إلى البيت الحرام .. الحكم فيه أن يهدى إلى البيت الحرام مااستيسر من بعير أو بقرة أو شاة .. من أجل أنه لم يتمكن من اتمام الحج أو العمرة لله (!!)
وأما الحكم الثانى وهو مايهمنا هنا فى الرد على دعوى اللواء شبل .. ففى قوله تعالى { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى } .. بينت الآية الكريمة .. أن الحآج الذى وصل إلى البيت الحرام بأمان و ادى منسك العمرة .. ويمكث فى مكة متمتعا حتى وقت الحج (...) فعليه أن يذبح مايقدر عليه من الهدى .. فإن لم يستطع فعليه صيام ثلاثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجع .. وليس لأهل مكة أن يتمتعوا فيما بين العمرة والحج (!!)
ووجه الإستدلال هنا فى دحض دعوى الأستاذ شبل لايخفى على لبيب .. فالواضح من سياق النص القرآنى الكريم .. أن ثمة فترة زمنية بين مناسك العمرة التى أهل بها الحآج فى أشهر الحج .. وبين مناسك الحج ذاتها .. وإلا لما كان لقوله تعالى : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى } أى معنى والعياذ بالله ..
فدل ذلك على وجود فترة زمنية فيما بين العمرة التى تقع فى أشهر الحج .. وبين أعمال الحج التى تبدأ يوم التروية والمبيت بمنى والوقوف بعرفة والإفاضة من حيث أفاض الناس من مزدلفة و باقى المناسك ..
ودل كذلك على وجوب تقديم المسلم الذى أهل وأحرم بالعمرة والحج فى الأشهر المعلومات .. وأدى عمرة الحج .. أن يقدم هديا فى مقابل التمتع فى تلك الفترة الزمنية .. مما يؤكد على أن أعمال الحج - بخلاف الإهلال والإحرام - لاتجوز فى أشهر الحج على إطلاقها كما يدعى اللواء شبل ، وإنما فى فترة زمنية معينة داخل تلك الأشهر (...)
قد يحتج اللواء شبل على ذلك بقوله : إن المقصود من قوله تعالى { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى } .. أن المعتمر قد أهل بعمرته قبل أشهر الحج الثلاثة .. بمعنى أن يكون المعتمر قد أدى عمرته فى رمضان مثلا .. ثم أراد أن يستمر بمكة حتى يؤدى فريضة الحج بعد ذلك ..
والجواب على ذلك : .. أنه ليس ثمة ارتباط بين المعتمر فى غير أشهر الحج .. وبين فريضة الحج .. لأن صور الحج الثلاثة المتواترة .. ( التمتع والقران والإفراد ) تؤكد على أن تلك العلاقة إنما هى بين العمرة فى أشهر الحج وبين الحج ذاته .. ( فالمتمتع ) : هو الذى يهل بعمرة مفردة من الميقات فى أشهر الحج .. فإذا فرغ منها أحرم بالحج من عامه .. و( المفرد ) : هو الذى يهل بالحج مفردا دون أداء عمرة .. و ( القارن ) : هو الذى يجمع بينهما فى الإحرام أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج قبل الطواف .. فلو كانت أيام أشهر الحج كلها صالحة لإتمام فريضة الحج .. لم يكن لتلك الصور المتواترة عمليا أى معنى (!!) لأن الذى ينشىء عمرة فى غير أشهر الحج ثم يظل بمكه حتى شوال فإنه لايكون متمتعا لأنه لم يهل بها فى أشهر الحج .. اللهم إلا إن حل منها فى أشهر الحج فيصير متمتعا على رأى بعض المذاهب .. فثبت من ذلك أن المقصود بصفة التمتع بالعمرة إلى الحج هى فقط العمرة التى تقع فى أشهر الحج الثلاثة (!!)
وبالتالى يبقى الدليل القرآنى الذى يدحض دعوى اللواء شبل قائم فى قوله تعالى { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى } .. لأنه يؤكد كما قلنا سابقا .. على وجود فترة زمنية تفصل بين الإهلال بالحج ، والذى يبدأ من شوال ، وبين أعمال الحج التى تبدأ يوم التروية فى موعد محدد ينتظره المتمتع والقارن والمفرد .. ومن أجل تمتع المعتمروالقارن - على اعتبار أن القران نوع من التمتع - كل تلك الفترة الزمنية بين بداية أشهر الحج وبداية أعمال الحج (.. ) ..فرض الله عليهما أن يقدما هديا كما قلنا .. فإن لم يجدا ذلك فرض عليهما صيام ثلاثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجعوا (!!)
ثانيا :
يقول الله عزوجل { الحج أشهر معلومات } .. ولو أخذنا بظاهر الآية كما يريد اللواء شبل .. لكان معنى ذلك أن الحج هو مجرد فترة زمنية عبارة عن أشهر معلومات لاغير .. لذا قال المفسرون أن ثمة حذف فى الآية .. إذ المعنى المراد هو أن أشهر الإهلال بالحج أشهر معلومات .. وأما أعمال الحج فلها وقت زمنى محدد (!!) وليس صحيح ما ذهب إليه د.احمد صبحى منصور من أن علماء المسلمين اتفقوا على جواز الحج فى هذه الأشهر .. وليس صحيح أن الخلاف بينه وبينهم هو فقط فى تحديد تلك الأشهر (!!)
ثالثا :
يقول الله تعالى فى سورة الحج : { وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق (*) ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات على مارزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير (*) ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق } .. ولا شك أن سياق الآيات يدل على أن ثمة أياما معلومات يذكر فيها اسم الله على نحو مخصوص ، وأن ذلك مرتبط بذبح الهدى والأضاحى .. وهى أيام النحر والتشريق الثلاثة .. ثم ليقضوا تفـثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق .. فدلت تلك الآيات يقينا أن أعمال الحج إنما تتم فى الحقيقة فى أيام معلومات ، وليس فى كل أشهر الحج كما يزعم اللواء شبل (!!)
ولو قال اللواء شبل أن تلك الأيام المعلومات .. تختلف من شخص لآخر .. وفقا لنظريته فى تعدد يوم الوقوف بعرفة وتعدد يوم النحر .. لأعوزه الدليل على ذلك الإدعاء ... لعدم استقامة المعنى .. إذ أن تعددها من شخص لآخر ينفى كونها من الأيام المعلومات .. ولا يستطيع اللواء شبل أيضا أن يدعى بأن المقصود بتلك الأيام المعلومات .. هى أشهر الحج كلها إذ يكون بذلك قد تناقض مع قوله الذى نقلناه أولا ، والذى يستنكر فيه حصر الحج فى أيام معلومات بقوله : { لكننا لانفهم أن يقول الله ( الحج أشهر معلومات ) فتجىء السنة وتجعل الحج فى أيام معدودات ؟؟
وإذا كان يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة معلومة للمسلمين ومحددة بموجب النص القرآنى .. لزم أيضا أن يكون يوم عرفه الذى يسبق يوم النحر معلوم ومحدد يقينا .. ويكون وقت طواف الإفاضة الذى يأتى بعد يوم النحر و أيام التشريق أو أثنائها معلوم كذلك لإرتباط ذلك كله بأيام الذبح المعلومة .. ومما يؤكد ذلك أيضا قوله تعالى فى سورة البقرة .. { واذكروا الله فى أيام معدودات فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى } ، فإن التعجل والتأخر لايكون إلا عن زمان محدد .. ومما يؤكد كذلك على تحديد القرآن لأعمال الحج فى أيام معلومات .. قوله تعالى فى سورة التوبة { وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله برىء من المشركين ورسوله } .. فاليوم الأكبر إما أنه يوم عرفه وإما أنه يوم النحر .. وفى ذلك دليل يقينى على أن كلاهما يوم محدد لايجوز تجاوزه زمانيا ولا مكانيا ولا يجوز أن يتكرر إلا مرة واحدة كل عآم .. وبالجملة فإن تحديد القرآن الكريم ليوم النحر وأيام التشريق يؤكد يقينا على أنه لايجوز أداء تلك الشعائر إلا وفقا لما ورد فى السنة وبينته كتب الفقه (...)
رابعا :
واللواء شبل يقول أنه مع حجية السنة بشرط عدم مخالفتها للقرآن .. أقول وهذا هوأيضا موقف الصحابة حينما أراد عمر بن الخطاب أن يمنع التمتع فى الحج .. فرده كثير من الصحابة لأن اجتهاده جاء مخالفا لنص القرآن واجتهد له آخرون على أساس أنه إنما منع صورة محددة من التمتع وهى التى يهل بها الحآج .. بالحج ثم يحولها إلى عمرة ؟؟
ولكن تحديد أعمال الحج بأيام مخصوصة داخلة فى أشهر الحج .. لايعد مخالفة للنص القرآنى بل تخصيص له .. بل إن هذا التخصيص قد ورد ذكره فى القرآن ذاته فى آيات سورة الحج التى تحدثنا عنها كما أكدنا سابقا (!!)
خامسا :
وأما نفيه للإجماع بالمعنى الأصولى .. على أساس أن اجماع المجتهدين إن كان مستندا إلى دليل قطعى فهو لايخفى علينا .. فإذا أظهروه لنا فهو الدليل على الحكم ، وليس الإجماع ، وإن استند إلى دليل ظنى فيستحيل أن يصدر عنه اجماع قطعى .. لأن شأن الدليل الظنى أن يكون موضع اختلاف فى الفهم بين العلماء والمجتهدين (!!)
وكلام اللواء شبل عن الإجماع .. قد يكون صحيحا فى العصور السابقة التى لم تكن فيها كتب العلم منتشرة فى الأمصار .. أما اليوم فكتب العلم بين أيدينا ونستطيع أن نتعرف من خلالها على مواضع الإتفاق والإختلاف بين العلماء (!!)
ثم إنه لامعنى لقوله إن الإجماع يستحيل أن يصدر عن دليل ظنى .. إذ أن الظنية قد تلحق بالدليل من جهة الثبوت .. وقد تلحقه من جهة الدلالة .. وفائدة الإجماع هنا ترجيح معنى ، والعمل به وفقا لأحكامه على وجه يخرجه من الظنية إلى القطعية .. وهذا كثير جدا فى الشريعة ..
فالقرآن مثلا قد نص على أن الكعبة هى التى بمكة .. لكن الإجماع هنا هو الذي يؤكد يقينا أن مكة المكرمة هى البلدة الموجودة فى شبه الجزيرة العربية وليس أى بلدة غيرها وأن حدودها تبدأ من كذا وتنتهى بكذا وكذلك سائر الأماكن المقدسة ..
والإجماع منعقد على أن الصلوات المفروضة خمس صلوات وأن مواقيتها فى الأوقات التى نعرفها مع أن ثبوت أوقاتها عن النبى صلى الله عليه وسلم إنما وقع بأحاديث ظنية الثبوت وإن كانت قطعية الدلالة ..
والإجماع منعقد على أن يوم عرفه هو يوم التاسع من ذى الحجة .. فإن كان ثمة مخالف واحد لهذا الرأى من السنة أوالشيعة أوغيرهم .. فلماذا لم يسبقك هذا المخالف إلى الإعلان عن رأيه بدلا من كتمان الحق لاسيما وأن الزحام فى الحج ظاهرة موجودة من زمن النبوة ولذا أجاز صلى الله عليه وسلم لأصحاب الأعذار من النساء والضعفاء عدم المبيت بمزدلفة .. فأنت ياسيادة اللواء أول من خرق اجماع المسلمين فى هذه المسألة ؟؟
وأخيرا :
لاأجد ما أقوله لللواء شبل خيرا من قوله تعالى : { ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب }
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بقلم : محمد شعبان الموجى
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق