شبهة رضاعة الكبير
وبيان استحالة أن تكون الرضاعة مباشرة .
من تعريفات الحديث الصحيح أنه هو ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه مع السلامة من الشذوذ والعلة ، ومعنى هذا أن الحديث الصحيح هو ما توافرت فيه الشروط التالية :
اتصال السند
والعدالة في الرواة
وضبط الرواة
وعدم الشذوذ
وعدم العلة
فالحديث قد يكون صحيح السند ولكن في متنه عله تخرجه من الأحاديث الصحيحة طبعا إذا تعذر رفع الاشكال عنه .. وهذا الحديث المتعلق بإرضاع الكبير فيه اشكال كبير إلا لو اقترن بتفسير محدد لايخرج عنه .. أي لايقبل الحديث إلا مع تفسير محدد .. وإلا فإنه يكون معلولا قطعا بعلة قوية هي تعارضه مع قواعد الستر والنظر حتى وإن صح سنده .
ولذلك .. لإستحالة أن يكون المقصود بقول النبى صلى الله عليه وسلم لسهلة بنت سهيل (( أرضعيه )) أن تخلع المرأة ثيابها وتضع ثديها فى فم الشآب ليمصه كما يفعل الطفل مع أمه !!
وذلك للأسباب التالية :
أولا : لأن المسلم يجب أن يعتقد اعتقادا جازما استحالة أن يأمر النبى صلى الله عليه السلام إمرأة ورجل بإرتكاب مثل هذا المنكر .. كيف وهو صلى الله عليه وسلم لم يصافح إمرأة قط فى حياته وكان يأمر بعدم مصافحة النساء غير المحارم .. وكان يأمر بغض البصر والنهى عن الدخول على النساء فى غيبة الرجال أو الاختلاط بهن إلا فى حدود وضوابط قرآنية صارمة .. فهل من الممكن أن يأمر بهذا الفحش الذى يتصوره البعض شفاهم الله ؟؟
ثانيا : أنه من غير المعقول أن تكون الرضاعة المأمور بها فى هذه الرواية هى الرضاعة المباشرة لأن المرأة إنما جاءت تشتكى ( غيرة ) زوجها أبى حذيفة و( تحرجه ) من دخول ابنهما بالتبنى سابقا عليها ليرى منها مايراه المحارم .. فكيف يكون العلاج النبوى الذى أذهب الغيرة بالفعل عن أبى حذيفة هنا هو كشف ثدييها ووضعهما فى فم الشاب المراهق !!
وثالثا : وبالمثل أقول أيضا بأنه من غير المعقول أن تتحرج المرأة من مجرد ( دخول ) سالما عليها ليرى منها ما يراه الأبن من أمه .. كيف يكون العلاج لغيرة الزوج هنا هو مص الثدى خمس رضعات مشبعات .. إذ أن دخول سالما عليها كان بطبيعة الحال أهون كثيرا جدا على الزوج وعلى الزوجة من مص الثدى والرضاعة خمس رضعات مشبعات .. بل لايقارن بما يمكن أن يحدث أثناء تلك الرضاعة لو كانت قد وقعت بشكل مباشر !!
رابعا : كيف يكون الدخول ممنوعا والرضاعة مباحة .. وهى لاتتم بالشكل المباشر إلا بعد الدخول فضــلا عن الملامسة ورؤية ثدى المرأة .. يعنى ماهو دخل خلاص والرضاعة تصبح من ثم تحصيل حاصل !!
خامسا : إذا كان الإسلام قد حرم على الأبناء الحقيقيين للمرأة أن يرضعوا وأن يمصوا ثدييها بعد أن يبلغوا ويشبوا .. فكيف يبيحها لمن لايمت للمرأة بأية صلة رحم ؟؟
سادسا : إن الإسلام قد حرم الزنا ومقدماته .. ولو كان المقصود بالرضاعة فى الرواية السابقة هى الرضاعة المباشرة .. فإنها كانت ستنتهى في الغالب بالزنا .. لأننا ـــ ودعونا نتحدث بصراحة ــــ لم نرى ولم نسمع فى واقع الحياة عن شآب يدخل على إمرأة ليمص ويرضع ثديها .. ثم لاينتهى الأمر بهما إلى القبلات والأحضان والزنا والفاحشة !!
وسابعا : إذا كانت الصحابية الجليلة سهلة بنت سهيل بطلة القصة .. كان يشغلها بشدة .. أن تعرف حكم الإسلام فى مدى شرعية دخول وخروج ابنهما بالتبنى سابقا والذى تربى فى حجرها منذ الصغر .. هل كان من الممكن أن تقبل هذا الأمر النبوى بالرضاعة المباشرة ( كما يذهب إلى ذلك خليل ) دون أن تسأل النبى صلى الله عليه وسلم ولو بكلمة واحدة عن كل تلك المخالفات الشرعية والآثام التى ستترتب على إرضاع شاب بشكل مباشر.. وكيف تقبل الصحابة الكرام وكل النساء مثل تلك الرضاعة المباشرة لشاب كبير يافع دون أن يعترضوا أو يستفسروا ولو بكلمة واحدة مع ما هو معروف عنهم من غيرة شديدة على الدين وعلى الشرف !!
وثامنا : ودعونا نتحدث بصراحة أكثر ونقول بأعلى أصواتنا .. لو كان المقصود بالحديث الذى يشنع به البعض على الإسلام جواز أن يرضع الرجل من ثدى أى إمرأة بشكل مباشر ليدخل عليها وتدخل عليه .. لأنتشرت تلك الرضاعة انتشارا النار فى الهشيم .. بل لتنافس عليها الرجال والنساء ولقطعوا بها أرزاق الرضع من الأطفال .. ولو كان الأمر كذلك لظهرت كذلك فى أشعار المجان والزنادقة .. و لتكونت عصابات ومافيا وشركات متعددة الجنسيات للمتاجرة بألبان النساء وأعراضهن واحتكار تلك الرضاعة التى تنتهى حتما كما قدمنا إلى الزنا والفاحشة .. لأن الإنسان عموما يميل إلى التحلل من القيود التى تفرضها الأديان على العلاقة بين الرجال بالنساء .. فــــــــما بالنا لو كان الأمر بالرضاعة بمص أثداء النساء مباح من الشرع الحنيف نفسه !!
تاسعا : ومن غير المعقول شرعا ولاعقلا ألآ يتطرق الصحابة والصحابيات الكرام إطلاقا إلى كيفية رضاعة الكبير ــ لو كان المقصود بها الرضاعة المباشرة ــ مع مافيها من مخالفات شرعية وأخلاقية جسيمة .. فى الوقت الذى تثبت الروايات التى بين أيدينا أنهم اعترضوا بشدة على الآثار المترتبة على تلك الرضاعة من الدخول على النساء ورؤية مايراه المحارم منهم .. وهو ما يعنى أنهم فهموا يقينا أن المقصود منها هى الرضاعة غير المباشرة .. وانحسر خلافهم فى تلك الآثار المترتبة على تلك الرضاعة غير المباشرة .. فقد روى مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول { لارضاعة إلا لمن رضع فى الصغر ولا رضاعة لكبير وعن ابن مسعود أنه قال { لارضاعة إلا لمن كان فى الحولين } !!
وقد أبى سائر أزواج النبى صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن أحدا بتلك الرضاعة ، وقلن لعائشة والله مانرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خآصة فما هو بداخل علينا أحـــــــد بهذه الرضاعة ولا رائينا .. وفى رواية أخرى : والله لايدخل علينا أحد بهذه الرضعة ولا يرانا !! ... فالاعتراض من جانب امهات المؤمنين كان عن جدوى هذه الرضاعة وعدم جدواها وهو ما يؤكد انها كانت رضاعة غير مباشرة عن طريق السقاية وإلا لكان اعتراض امهات المؤمنين منصبا اساسا على تمكين شخص بالغ بالتقام الثدي والتعري أمامه والدخول عليهم قبل ان يحرم عليهم بالرضاعة والحرام لايمكن ان يكون طريقا للحلال .. فهذا المعنى لم يخطر على بال أحد إلا بعض النصوصيين الذين لااعتبار لهم ولا قيمة ولاعقل .
ويهمنا هــنا أن نوضح أن الرخصة هنا لسالم ليست فى إجازة الرضاعة من ثدى الصحابية مباشرة .. حاشا لله ولرسوله .. وإنما الرخصة له فى أن يشرب لبنها بشكل غير مباشر ثم يرى منها مايراه الأبن من امه .. إذ أنه كان ربيبها وكانت هى التى ربته فى الصغر على النحو الذى بينا .. وطبيعى أن الأبناء فى ذلك العصر الذهبى لم يكن يرون من امهاتهم إلا ماتدعو الحآجة إليه أثناء القيام بأعباء المنزل .. ولم يكن يعرفن الميكروجيب أو البلاوى التى نراها اليوم فى امهات الشيوعيين والعلمانيين .. الذين يدخل عليهن الرجال ويدخلن على الرجال .. ويرون منهن ويرين منهم كل شىء دونما حآجة إلى رضاعة ولا يحزنون .. ولذلك فقد حرم الإسلام على الأبناء الدخول على أمهاتهم بغير استئذان .. وعندما تعجب أحد الصحابة قائلا اأستئذن على أمى قال له النبى صلى الله عليه وسلم أتحب أن ترى أمك عريانه .. حتى الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم حرم الإسلام دخولهم على امهاتهم وآبائهم فى أوقات معينة .. ولذلك فما أبيح لسالم لايخرج عن هذا النطاق !!
بل إن النبى صلى الله عليه وسلم قد أنكر على عائشة ذلك .. حينما دخل عليها وعندها رجل .. قال حفص فشق ذلك عليه وتغير وجهه ثم اتفقا .. قالت يارسول الله إنه أخى من الرضاعة فقال صلى الله عليه وسلم : { انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة وفى الحديث المرفوع عن ابن مسعود أنه قال { لارضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم } !!
هذه الأثار كلها تؤكد على أن جواز رضاعة الكبير بشكل مباشر لم تخطر لأحد من الصحابة على بال .. وإلا لذكرها المعترضون أصلا على الآثار المترتبة على رضاعة الكبير ولكانت حجتهم فى تلك الحآلة أقوى .
ونختم بهذا المقتبس القيم
مسألة : حقيقة الخلاف بين السيدة عائشة وأمهات المؤمنين:
يجب مبدئيًّا الفصل بين معناها في حادثة سالم ومعناها في فتوى عائشة رضي الله عنها
ليكون رضاع الكبير في حادثة سالم هو إرضاعه بعد أن كان رجلاً
ثم دخوله على سهلة.. ومعناه في فتوى عائشة رضي الله عنها هو الإرضاع بعد تجاوز السن الشرعي للرضاعة (حولين).
( دلائلــة رواية عائشة رضي الله عنها لأحاديث الرضاعة التي تحرّم ) ..
والدليل على أن الفتوى لا تعني الرجل الكبيـر وإنما الكبير بمعنى من تعدّى سن الرضاعة بقليــل
ما جاء في مسند أحمد (57/193) ومستخرج أبي عوانة (9/179) ومسند الصحابة في الكتب التسعة (8/336):
" فَبِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَأْمُرُ أَخَوَاتِهَا وَبَنَاتِ أَخَوَاتِهَا أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ عَائِشَةُ أَنْ يَرَاهَا وَيَدْخُلَ عَلَيْهَا (وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا) خَمْسَ رَضَعَاتٍ ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَيْهَا، وَأَبَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ حَتَّى يَرْضَعَ (فِي الْمَهْد) ".
وهذا المعنى المستنبط جاء صريحًا في الروايات عند مالك في الموطأ:
عن نافع أن سالم بن عبد الله بن عمر أخبره أن عائشة أم المؤمنين أرسلت به -وهو رضيع- إلى أختها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق فقالت: " أرضعيه عشر رضعات حتى يدخل عليَّ ".
قال سالم : " فأرضعتني أم كلثوم ثلاث رضعات، ثم مرضَتْ فلم ترضعني غير ثلاث رضعات ، فلم أكن أدخل على عائشة من أجل أن أم كلثوم لم تُتِمَّ لي عشر رضعات ".
ولعلنا نلاحظ أن عائشة كانت ترغب في دخول سالم بن عبد الله عليها لذلك أرسلت به إلى أم كلثوم لترضعه.
ولكن أم كلثوم لم تتم رضاعته ، فلم يدخل على السيدة عائشة ، و لو كان الأمر هو جواز إرضاع الرجال لجعلت إحدى بنات أخيها ترضعه ؛ ولكنه لما كبر وصار رجلا لم يكن ليدخل على عائشة .
ومن الجدير بالذكر أن أصحاب الشبهة أوردوا : أن عائشة أرسلت سالم بن عبد الله لترضعه أم كلثوم دون أن يذكروا أن سالم بن عبد الله كان طفلا رضيعًا كما جاء في الحديث ؛ ليفهم الناس أن أم كلثوم كانت تُرضع رجلاً كبيراً !! بطلب عائشة .
ويجب تقرير أن طلب عائشة بالإرضاع كان لأطفال صغار ، وأن ما ذُكر في الرواية ( فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال ) هو باعتبار ما سيكون منهم بعد أن يصبحوا رجالا .
الدليـــــــــــــــــــــــل
ودليل ذلك قول نافع أن سالم بن عبد الله بن عمر أخبره أن عائشة أم المؤمنين أرسلت به وهو رضيع إلى أختها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق فقالت : " أرضعيه عشر رضعات حتى يدخل عليَّ ".
( ( فيا غبي يا رافضي ويا نصراني كيف تقصد ان يدخل عليها وهو رضيــــع ؟؟؟ ) )
المفهوم من الكلام انه بعد ما يكبر هذا الرضـيـــع يكون محرّم
وهنا حفصـة عندما أخذت بكلام أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
عن مالك عن نافع أن صفية بنت أبي عبيد أخبرته : أن حفصة أم المؤمنين أرسلت بعاصم بن عبد الله بن سعد إلى أختها فاطمة بنت عمر بن الخطاب ترضعه عشر رضعات ليدخل عليها وهو صغير يرضع ففعلت فكان يدخل عليها...
( ( يعني بعد أن كبــر ) )
وهنا فتوى عائشة رضي الله عنها بوجـــة آخر ..
وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي رَضَاعِ الْكَبِيرِ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ ، وَهُوَ مَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ : " أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَأْمُرُ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنْ تُرْضِعَ الصِّبْيَانَ حَتَّى يَدْخُلُوا عَلَيْهَا إذَا صَارُوا رِجَالًا ".
تجد هذا المعنى واضح بأحكام القرآن للجصاص
فكانت عائشة تحب أن يدخلوا عليها بعد أن يصيروا رجالا ؛ لتعلمهم أمر دينهم وتدرسهم العلم الشرعي ؛ إلتزاما بقوله تعالى : { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ }
على ذلك فإختلاف أمهات المؤمنين مع أم المؤمنين عائشة ليس في إرضاع كبيرٍ أو إدخال رجال عليها بهذا الإرضاع ؛ لأن هذا لم يحدث من أم المؤمنين عائشة أصلاً .. !
ولكن كان وجه إعتراض أمهات المؤمنين هو إرضاع الصغار بقصد الدخول ، سواء كان الرضاع قبل حولين أو تجاوزه بقليل .
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق