أيهما أولى بالنقد
ابن الوزير أم فراش الوزير !!
^ مرة واحدة فى حياتى تعرضت فيها لقضية قذف وسب .. وعلى الرغم من أن ألقذف والسب فعلان مجرمان ( من التجريم ) فى القانون .. إلا أننى يومها لاأعرف لماذا شعرت بالفخر والزهو ربما لأننى سأدخل التاريخ مرة أخرى من أوسع أبوابه .. ناهيك عن صفحات الحوادث ووكالات الأنباء التى ستحمل الخبر هنا وهناك .. ولم يكن هذا الشعور بالزهو والفخر والبطولة بسبب مسألة دخولى التاريخ من أوسع أبوابه فحسب .. بل بسبب شعورى بالرضا كذلك لأننى مارست حريتى و حقى فى النقد وقيامى بواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .. وعموما اعتبرت هذا الإتهام بجريمتى السب والقذف وسام وضعه المجنى عليه ( افتراضا ) على صدرى .. وأعتقد أنه نفس الشعور الذى يختلج صدر كل كاتب أو صحفى أو صاحب رأى حر عندما يتعرض لمثل هذا الموقف .. وهو مايمثل مفارقة عجيبة تسقط الهدف الأساسى الذى شرعت من أجله العقوبة ، وتجعل من اللآفتة الموضوعة على بوابة السجون والتى تؤكد على أن السجن إصلاح وتقويم مجرد نكـــــــتة سخيفة !!
^ غير أنه إلى جانب هذا الشعور بالفخر والزهو والرضا النفسى والشعور بالبطولة والشهادة .. اختلجنى بصراحة شديدة شعور بالخوف والفزع من أن أتحول بسبب تلك الإتهامات من مجرد ( كاتب مغمور ) إلــــــــــى ( مسجون مغمور ) .. خصوصا وأننى لاأنتمى إلى أى حزب أو جماعة أو هيئة ، ولذلك لم تحتفى صحيفة واحدة بالخبر على غرار ماحدث مثلا مع الأستاذ مجدى حسين وجمال فهمى مع أن جريمتنا تقريبا واحدة .. ربما لأننى كما هو معروف مجرد كاتب مغمور ، وبالتالى فلابد أن أكون أيضا متهما مغمورا ومسجونا مغمورا فى نهاية الأمر .. وربما لأسباب أخرى .. والمهم أننى يومها قررت أن أترك الدراسة فى كلية الدراسات العربية الإسلامية وأتفرغ لقراءة كتب القانون التى تتحدث عن جريمتى السب والقذف خصوصا بعد أن تحدثت مع المحامى الذى سيتولى الدفاع عن قضيتى ووجدت أن معلوماته عن قضايا القذف والسب لاتختلف كثيرا عن معلوماتى عن البنيوية وماوراء البنيوية ، وقررت ساعتها أن أعد بنفسى مذكرة الدفاع .. فكنت فى أثناء قراءاتى أشعر أحيانا بالأمن والأمان وبراءة ساحتى من الإتهامات والرغبة فى النوم مبكرا بعد قرأءة صفحة أو عدة صفحات .. وفى أحيان أخرى سرعان ما يسيطر علي مرة أخرى هاجس الخوف والفزع من الإتهام والإدانة ربما فى اليوم التالى عندما أقرأ صفحات أخرى من الكتاب ذاته أشعر معها أننى ذاهب فى داهية لامحالة .. بل كنت أحيانا أتردد بين حالتى الأمن والخوف هاتين كلما انتهيت من قراءة سطر وانتقلت إلى سطر آخر .. وهذا هو بيت القصيدومربط الفرس فى قضايا السب والقذف !!
^ فمساحة الإجتهاد المتروكة للقاضى فى قضايا القذف والسب التى تتعلق تحديدا بحرية النقد والتعبير .. مساحة واسعة جدا سواء فيما يتعلق باثبات حسن النية أو القصد الجنائى .. أو فيما يتعلق بأمور أخرى كتحديد الوقائع المكونة للقذف أو فيما يتعلق بالتعرف على شخصية المجنى عليها مثلا أو فى تقدير الفرق بين الإساءة إلى شخصية تاريخية وبين البحث التاريخى إلى آخره .. فـكل ذلك يجعل الحكم فى قضايا النشر فى أغلب الأحيان مسألة رأى وفكر ومزاج خآص ناشىء عن الأيدلوجية الفكرية للقاضى أكثر منها تطبيقا لنصوص محددة .. حتى أنه من المستحيل فى أحيان كثيرة التبنؤ بالبراءة أو الإدانة .. كما تجعلك نقف أمام العديد من الأحكام النهائية المتناقضة .. ناهيك عن كثير من الثغرات القانونية والمخالفات اللآخلاقية التى تتضمنها مواد قانون القذف والسب !!
^فالقارئة التى صدر ضدها حكم قضائي بالحبس بتهمتى السب والقذف .. جريمتها الوحيدة أمام هذا القانون الأعرج الفاسد أنها كشفت النقاب عن أحد الأفاكين الدجالين هاتكى الأعراض مروجى الخرافات والشعوذة مدعى العلاج بالقرآن الكريم .. وهى القضية التى تعجب منها الأستاذ الدكتور صلاح قبضايا بقلمه الممتع ( أحرار 11 مايو 1998 ).. لقد كان يجب عليها وفقا لهذا القانون الأعرج أن تسكت عن بيان الحق وعن تنبيه المجتمع إلى اخطار هذا الأفاك الأثيم !!
ولاشك أن الحكم من الوجهة القانونية .. سليم تماما والقاضى الذى حكم فى القضية قد أرضى ضميره القانونى ( إن صح التعبير ) لأنه محكوم فى قضائه بالقاعدة القانونية التى تنص على أنه ليس لمن قذف انسانا ( باستثناء الموظفين العموميين ومن فى حكمهم ) بشىء أن يثبت صحة ماقذفه به وعليه العقوبة ولو كان الظاهر أن ماقاله صدق لاشك فيه .. وهذا المبدأ كما يقول الأستاذ عبد القادر عوده فى دراسته القضائية المقارنة ( التشريع الجنائى الإسلامى ) : (( إذا كان يحمى البرآء من ألسنة الكاذبين الملفقين .. فإنه وبنفس الدرجة يحمى الملوثين والمجرمين والفاسقين من ألسنة الصادقين .. وإذا كان هذا المبدأ قد عنى بحماية الأفراد الخآصة فإنه قد أدى إلى إفساد الأفراد والجماعة على السواء لأن القانون حين يعاقب على الصدق لايمنع الصادق من قولة الحق فقط وإنما يدفعه إلى الكذب ويشجعه على النفاق والرياء .. كما أن القانون لايصلح الفرد بحمايته وإنما يشجعه بهذه الحماية على الإمعان فى الفساد بل إنه يغرى كثيرا من الصالحين بسلوك طريق الفساد مادام أنهم قد أمنوا من التشنيع والإنتقاد وهكذا تفسد الجماعة وتهدر الأخلاق الفاضلة لأن القانون يحمى من لايستحق الحماية على الأخلاق )) !!
^وبهذا المبدأ القانونى الأعرج ( كما يقول الأستاذ عبد القادر عوده ) ينعدم الفرق بين الخبيث والطيب والمسىء والمحسن وينعدم الحد بين الرذيلة والفضيلة وبهذا المبدأ القانونى اللآخلاقى انحط المستوى الأخلاقى بين الشعوب .. فالطيب لايستطيع أن ينقذ الخبيث ، والخبيث سادر فى غيه ذاهب إلى نهاية طوره لأنه لايخشى رقيبا ولا حسيبا من الجماهير ولا يستطيع امرؤ طبقا لهذا المبدأ القانونى أن يسمى الأشياء بمسمياتها وأن يصف الموصوفات بأوصافها ولا يستطيع أن يقول لمن زنى يازانى ولا لمن سرق ياسارق ولا للمفترى والظالم ياكاذب ياظالم فإن قالها ومارس دوره فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أو ما يعرف ( بالدفاع الشرعى العام ) باء بالعقوبة والحبس .. بينما يمرح الزانى والعاهرة والسارق والكاذب والمفترى والدجال والأفاك والمرتشى بحماية القانون .. بل ويكافئه هذا القانون الجاهلى الأعرج بالتعويض المالى على مانسب إليه من قول هو عين الحق والصدق .. وهكذا يفقد القانون المصرى دوره الأخلاقى فيحرم على الناس أن يقولوا الحق وأن يتناهوا عن المنكر وأن يحطوا من قدر المسىء ليرفعوا من قدر المحسن والإحسان !! وهذه القاعدة القانونية اللآخلاقية يجب المطالبة بإسقاطها لتصحيح المسار القانونى .. ولكى يؤدى القانون دوره الصحيح والحقيقى فى المجتمع .. فيجب المساواة بين الكآفة وبين غيرهم من الموظفيين العموميين من حيث اباحة القذف فى حقهم عند اثبات حسن النية وصحة وقائع القذف .. كما يجب ألآ تستثنى الحياة الخآصة للموظفيين العموميين ومن فى حكمهم إذا كانت لها تأثير ضار على المصلحة العآمة !!
^ وإذا كان القانون المصرى قد حاول استدراك هذه العورة القانونية الخطيرة وأدرك مدى خطورتها على المجتمع .. فاستثنى أربع حالات أجاز فيها القذف بشرط اثبات صحة الواقعة وحسن النية .. حيث أجاز الطعن فى أعمال الموظف العآم وفى حالة دعوة الأمة إلى الإنتخاب وفى حالة انعقاد البرلمان وفى حالة المحاكمة والتقاضى .. إلا أنه وقع فى اشكال وتناقض خطير .. لأن القانون المصرى الأعرج .. إذا كان قد أجاز الطعن فى تصرفات عامل المزلقان وكمسارى الأوتوبيس وعم عثمان فراش الوزير .. إلا أنه حرم وجرم ذلك فى حق ابن الوزير وابن المسؤل الكبير، ورجل الأعمال ورئيس الحزب والكاتب الرقيع والملحد والدجال ذائع الصيت والممثل الرقيع والممثلة العاهرة وبائع الأعراض .. إن هؤلاء جميعا لايعدون من الموظفيين العموميين الذين يجوز فى حقهم النقد وتتبع تصرفاتهم مع أن كثيرا من هؤلاء يكون تأثيرهم على المجتمع أضعاف أضعاف ماللموظف العمومى من تأثير .. ويكون بالتالى القذف فى حقهم وفى كشف انحرافهم وفضح أخبارهم وتفادى خطرهم مصلحة جوهرية للمجتمع وحماية وصيانة للمصلحة العآمة !!
^ ثم إننا لو نظرنا إلى قضايا التعبير والنشر الذى أثارت اللغط والجدل .. والتى راح ضحيتها العديد من الصحفيين الشرفاء .. فسوف نجد أنها تتعلق أساسا بثلاث موضوعات أساسية .. الذمة المالية لبعض كبار المسئولين وأبنائهم وزوجاتهم وأقاربهم .. والإختلاف الفكرى والأيدلوجى بين أهل الفكر والرأى ، والإنحرافات الأخلاقية لبعض المشاهير وكبار المسئولين !!
ولو تحدثنا عن مسألة التشكيك فى الذمة المالية لهؤلاء الكبار .. فيجب أن نذكر الخصوصية القانونية والطبيعة الخآصة التى تحكم هذه المسألة التى تتعلق بقانون ( من أين لك هذا ) والذى أهمل إلى درجة النسيان بفعل فاعل .. لأنه إذا كانت كل الدعاوى القضائية .. البينة فيها على من ادعى واليمين على من أنكر .. فإن الإتهام فى قضايا الذمة المالية لكبار المسئولين يجب أن تكون البينة فيها على من ادعى عليه .. ويكفى الصحفى أو الكاتب مثلا أن ينبه إلى حالات الثراء الفاحش التى أصابت أبناء الكبار فجأة .. وهى فى كثير من الأحيان تكون معروفة ومشاعة بين الناس والزوج فيها آخر من يعلم .. دون أن يكلف ( أى الصحفى ) وفقا لقانون القذف بالبحث فى مصالح الشهر العقارى ودار المحفوظات والأملاك الأميرية .. وإنما عبء نفى ذلك يقع على عاتق السادة اللصوص الكبار .. وعليهم أن يأتوا صاغرين إلى دور الصحافة والنشر لإثبات براءة ذمتهم وخلو ساحتهم .. لأن فى ذلك مصلحة مؤكدة للمجتمع ولو على حساب مصلحة مفترضة لهؤلاء اللصوص الكبار .. وهذا هو منطوق ومفهوم القاعدة الشرعية والقانونية المفهومة ( من أين لك هذا ؟؟ ) !!
^وأما ما يتعلق بالجانب الثانى والمتعلق غالبا باتهام أهل الفن وخصوصا ممثلات الإغراء والجنس بإقامة علاقات غير شرعية وإتيان تصرفات مشبوهة مع بعض الكبار .. فمثل هذه الإتهامات يجب أيضا اسقاط أى عقوبة مالية أو بدنية عليها .. لأنه إذا كانت جريمة القذف من جرائم الإعتداء على الشرف والإعتبار .. ومعنى الشرف والإعتبار هنا .. المكانة التى يحتلها كل شخص فى المجتمع ومايتفرع عنها من حق فى أن يعامل على النحو الذى يتفق مع هذه المكانة .. أى أن يعطى الثقة والإحترام اللذين تقتضيهما مكانته الإجتماعية .. ولو طبقا هذا التعريف القانونى للشرف والإعتبار على ممثلات الإغراء والجنس وأبطال وبطلات أفلام الشباك والمقاولات ( وهو تعبير محترم لأفعال فاحشة يرتكبها هؤلاء ) لوجدنا أن هؤلاء جميعا لايثبت فى حقهم أدنى معنى من معانى الشرف أو الإعتبار .. والذين يجلسون فى مقاعد دور السينما والمسرح وخصوصا فى المقاعد الخلفية .. يدركون تماما تلك الحقيقة .. فهؤلاء ( بعيدا عن الهالة الإعلامية الزائفة ) لايحتلون فى مجتمعاتهم أى معنى من معانى الإحترام والثقة .. حتى أن نسبة كثيرة من عائلات تلك الفئات المنحرفة غير راضية عن عمل أبنائهم وبناتهم وزوجاتهم فى هذا المستنقع الموبوء وغالبا ما يتبرأوا منهم أو منهن .. وهو ما يتعارض تماما مع ماهية الشرف والإعتبار التى تعتبر الأساس القانونى لجريمة القذف ويكون القذف فى حقهم وحقهن تحصيل حاصل لواقع يتمرغون فيه بالليل والنهار .. فى مجتمعاتهم العآمة والخآصة وعلى صفحات الصحف وفى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة .. بل ويفاخرون به فى أحوال كــــثيرة !!
^وأما القضايا الناشئة بسبب الإختلاف المذهبى والفكرى .. فيجب أن يتسامح فيها أهل الفكر والقلم إلى أبعد الحدود .. لأن الأصل فى ذلك حسن النية وانتفاء القصد الجنائى حيث لاعلاقة شخصية تربط بين المجنى والمجنى عليه فى الغالب بل الدافع من وراء ذلك غالبا هو الدفاع عن العقيدة والمبادىء .. اللهم إلا إذا كانت ثمة خصومات شخصية وراء هذا الفعل .. كما يجب أيضا اباحة قذف الكتاب الخونة والعملاء الذين يخونون دينهم ووطنهم .. وبالله عليكم أى معنى من معانى الشرف والإعتبار يبقى لكاتب ما مع تعامله الفكرى والثقافى والمادى مع الصهاينة وأعداء الأمة والدين .. فكل من لاشرف له ولا اعتبار يجب اعتبار قذفه وسبه من الأعمال الجليلة التى يكافىء عليها الفرد لا أن يعاقب !!
^ ومن المفارقات العجيبة .. أنه فى الوقت الذى كانت تسعى فيه الحكومة إلى استصدار ماعرف بقانون الحسبة لحماية الملحدين والزنادقة والإباحيين .. كانت فى ذات الوقت تسعى إلى استصدار قانون مشدد للصحافة تسعى من ورائه إلى تكميم الأفواه وحماية أبناء بعض المسؤلين المنحرفين الذين خربوا البلاد وسرقوا العباد على طريقة الشيخ سوهارتو وأمثاله .. فأصبحت حرية التعبير والنقد موجهة فقط كسلاح فتاك ضد الأديان والأخلاق وليست ضد الإلحاد والإنحراف والفساد بشتى ألوانه ولكم فى الشيخ سوهاتو وأبنائه العظة والإعتبار !!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
بقلم : محمد شعبان الموجى
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق