كتب الدكتور / محمد السعيد مشتهرى فى أحرار 2/5/1994 معترضا على بعض فتاوى شيخ الإسلام اب تيمية رحمه الله .. ناعتا إياه بجملة من الأوصاف التى جادت بها قريحته وأخلاقه وفكره .. ولسنا بصدد الدفاع عن ابن تيمية ورد العدوان عنه .. لأن قيمة ابن تيمية كمجتهد قد خلدها التاريخ ، ودللت عليها آثاره العلمية ومناقبه الأخلاقية .. غير أن ما كتبه د. مشتهرى وغيره فى هذا الصدد .. يدل دلالة قاطعة .. على أننا أمام أزمة ثقافية وجدب فكرى .. كنا نظن أنه قد أصاب شبابنا فحسب .. فوجدناه للأسف الشديد قد أصاب الكبير قبل الصغير .. الفهم الخاطىء والقراءة المغلوطة لكتب التراث .. ثم الخروج بعد ذلك بنتائج مبهرة .. كما فعل الإرهابى التائب وأمثاله فى استحلال أموال الناس ، وكما فعل دزمشتهرى فى مقالته التى نحن بصد الحدييث عنها ؟؟
وإليكم بعض الفتاوى التى لم تعجب د.مشتهرى .. والتى اعتبرها أس البلاء فى مسألة الإرهاب .. نقرأها سويا بهدوء وموضوعية لنتبين حقيقة الأزمة التى نعايشها بالفعل : ــــ
الفتوى الأولـــى
سئل ابن تيمية رحمه اللـه (( عن أقوام يؤخرون صلاة الليل إلى النهار لأشغال لهم من زرع )) فأجاب رحمه اللـه : (( ومن أخرها لصناعة أو زرع أو .. حتى تغيب الشمس وجبت عقوبته ، بل يجب قتله عند (جمهور العلماء ؟؟؟) بعد أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل ) ) ؟؟
هذه الفتوى لم تعجب د. مشتهرى ، وجعلته يكيل لبن تيميه التهم .. وكان الأحرى به قبل ذلك .. أن يبحث فى صحة دعوى ابن تيمية اسناد هذا الرأى إلى جمهور العلماء من عدمه ؟؟
فلإن ثبت أن ابن تيمية قد كذب على جمهور العلماء .. كان لنا إلتماس العذر للدكتور .. أما إن تبين أن رأى ابن تيمية يوافق رأى جمهور العلماء .. فلا معنى لتخصيص ابن تيمية بالذات بكل تلك الإتهامات .. ولابأس بعد ذلك بالدكتور أن يعمم اتهاماته تلك على كل علماء المسلمين ، وهو حر فى ذلك .. غير أننا لا نستطيع مخالفة جمهور العلماء فضلا عن وصفهم بالتطرف والدموية .. من أجل وساوس الدكتور مشتهرى ؟؟
الفتوى الثانيــة
سئل ابن تيمية رحمه اللـه (( عن رجل جار للمسجد ، ولم يحضر مع الجماعة الصلاة ، ويحتج بدكانه ؟؟ ))
أجاب رحمه اللـه (( الحمد لله يؤمر بالصلاة ( مع المسلمين ) ، فإن كان ( لايصلى ) فإنه يستتاب .. فإن تاب وإلا قتل ، وإذا ظهر منه الإهمال للصلاة لم يقبل قوله : إذا فرغت صليت .. بل من ظهر كذبه لم يقبل قوله ، ويلزم بما أمر اللـه به ورسوله ))
ويئسفنى أن أقول أن الدكتور مشتهرى كغيره من الذين اعترضوا على تلك الفتوى .. لم يفهموها على وجهها الصحيح .. وتحدثوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتيهم تأويله .. حيث اعتقدوا خطــأ أن ابن تيمية قد أفتى بقتل جار المسجد إن لم يصلى فى جماعة ؟؟
والأمر على خلاف ذلك .. فالتحقيق أن الرجل لم يكن يصلى مطلقا .. لا فى جماعة ولا منفردا ، وبالتالى يسرى بحقه حكم تارك الصلاة المشار إليه فى الفتوى الأولــى ؟؟
والشاهد .. أن السائل يقول ( ويحتج بدكانه ) ، ولم يقل مثلا ( ويحتج بالصلاة منفردا فى دكانه ، أو أنه سيصلى إذا فرغ من عمله ) ؟؟
ولذلك جاءت إجابة ابن تيمية رحمه اللـه أكثر دقة من السؤال .. ففى قول ابن تيمية ( يؤمر بالصلاة مع المسلمين ) ما يشعر بأن المقصود أن يؤمر بالصلاة على وجه العموم .. سواء كان منفردا أو فى جماعة ، وسواء كانت الجماعة فى المسجد أو فى البيت ، ولذلك قال ( مع المسلمين ) ، ولم يقل ( فى المسجد أو فى الجماعة ) ؟؟
ومما يدل على ذلك .. قول ابن تيمية .. ( فإن كان لايصلى ) يعنى لايصلى مطلقا .. يستتاب فإن تاب وإلا قتل ، وهذا أيضا هو حكم تارك الصلاة عند الجمهور كما بينا سابقا ، ولا علاقة بذلك بحكم تارك الجماعة ، ولذلك لم يقل فإن كان لايصلى جماعة .. ) ؟؟
ومما يؤكد ذلك أيضا قوله رحمه الله : ( فإذا ظهر منه الإهمال للصلاة ( وليس للجماعة ) لم يقبل قوله : ( إذا فرغت صليت .. بل من ظهر كذبه لم يقبل قوله ) .. ومفهوم تلك العبارة .. يؤكد كلامنا أكثر وأكثر .. يعنى إن لم يظهر منه الإهمال للصلاة .. لايجوز التعرض له ، ويصدق فى قوله ( إذا فرغت صليت ) ؟؟
الفتوى الثالثــة
قول ابن تيمية : ( ومن قال يجب على كل مسافر أن يصلى أربعا .. فهو بمنزلة من قال : إنه يجب على المسافر أن يصوم شهر رمضان ، وكلاهما ضلال مخالف لإجماع المسلمين ..يستتاب قائله فإن تاب وإلا قتل ) ؟؟ ثم يقول الدكتور : ( مع قوله أن هذه المسألة محل نزاع مشهور بين العلماء ) ؟؟
وما أظن أن ابن تيمية قد وصل به الجهل بالدين إلى هذه الدرجة .. فالقول بوجوب ( اتمام ) الصلاة الرباعية على كل مسافر .. قول باطل لايمكن أن يكون محل نزاع .. ويؤسفنى أن يخلط الدكتور بين هذه القضية ، وبين قضية وجوب ( قصر الصلاة الرباعية لكل مسافر .. فهذه هى التى موضع نزاع ؟؟ أما الزعم بوجوب اتمام الصلاة الرباعية لكل مسافر .. ففيه انكار لجواز قصر الصلاة الرباعية للمسافر .. بل ووجوبه على الحجيج يوم عرفه .. فالقائل بذلك .. منكر للسنة العملية المتواترة بأقسامها الثلاثة .. القولية والفعلية والتقريرية ، ومنكر المتواتر كافر بلا خلاف .. وهذا ما عناه ابن تيمية فى فتواه ؟؟
الفتوى الرابعــة
وأما زعم الدكتور أن ابن تيمية رحمه اللـه هو أول من أفتى بقتل من لم يندفع فساده فى الأرض إلا بالقتل ، والداعى إلى البدع فىالدين .. فهو زعم خاطىء .. لأن هذا الحكم من الأحكام المستقرة فى الفقه الإسلامى .. وفقا للقاعدة الأصولية ( درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة ) .. أو مايعرف عند الفقهاء ( بدفع الصائل ) ، وهذا أشبه شىء بحد الحرابة الذى ورد ذكره فى القرآن الكريم ، ولم يأت ابن تيمية بجديد فى هذا الشأن ؟؟
وأخيرا .. فإن المسائل التى ذكرها د.مشتهرى عن ابن تيمية ليست من المسائل المشهورة التى شذ فيها ابن تيمية عن جمهور العلماء .. ولو كانت تلك الفتاوى التى ذكرها د.مشتهرى مخالفة لصحيح الدين لاستثمرها أعداء ابن تيمية فى عصره وهم كثير ؟؟
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق